لا يثيرنا السؤال المفذلك ، الذي يطرح أحياناً على سبيل المفارقة والغرابة والاستهجان: لماذا كان الكاميكازي (الطيار الياباني الانتحاري) يلبس خوذة فولاذية عندما هجم بطائرته المحملة بالمتفجرات على سفن ومنشآت قاعدة بيرل هاربر الأمريكية في جزر هاواي ، إبان الحرب العالمية الثانية. لماذا كانوا يلبسون خوذاً على رؤوسهم ، مع أنهم ذاهبون للموت؟؟،.
لكن ما يثيرني حقاً ، ويدهشني ، ويثير في نفسي أشجاناً وأفكاراً ، أن طائرات الكاميكازي كان يرسم عليها رسوم (الساكورا) الشهيرة ، وهذه الكلمة تعني بالياباني نوار الكرز المتفتح ، وهو الرسم ذاته الذي يزين زيهم التقليدي ، ولأن الساكورا (نوار الكرز) لا تتفتح إلا بضعة أيام ، وتمضي وكأنها لم تكن، ، فهي في نظرهم ترمز إلى الحياة ، وهشاشتها ، وقصرها ، ولهذا رسم اليابانيون على طائراتهم نوار الكرز في إشارة فلسفية عميقة ، أن الدنيا ما هي إلا لمحة عين (مش أكثر) ، أو (وقفة عز) لا أكثر،.
في هذه الأيام ، تتفتح أشجار الكرز الشهيرة في اليابان ، في وسط نيسان تحديداً ، ونيسان كلمة تعني العشب والخضرة والتفتح ، في اللغة السريانية ، ولهذا ترى الجميع يغتنمون هذه الفرصة النادرة السريعة العابرة ، فيستغلونها بشغف كبير ، فيبقون أجمل الحظات في ظلال هذا النوار المدهش النقي.
ونحن لدينا ساكورتنا الخاصة ، ليس في أشجار الكرز والدراق والخوخ والتفاح ، التي غافلتنا ونورت ومضت على حين غرة فقط ، بل لدينا ساكورا في أغانينا الشعبية الخفيفة ، التي تحمل بعدا فلسفياً عالياً: (شباب قوموا العبوا والموت ما عنه ، والعمر شبه القمر ما ينشبع منه) ، أي يشبهون العمر بالقمر ، وما أسرع ما يغيب القمر ، وما أسرع ما يتصاغر ويعود محاقاً متلاشياً بعد أن كان تدوّر بدرا يانعا مثل رغيف. وهكذا كل الأشياء الجميلة ، فهي قصير جداً مثل هذا الربيع فهو ينعة وكل ينعة إلى إحشاف أو جفاف،.
هو الربيع إذن ، يفرُّ منا كالماء ، الذي يفر من فروج الأصابع ، إن لم نرتويه على عجل. وكذلك العمر الهارب منا كنوار الكرز ، فلا ندري متى كبرنا ، ومتى صرنا آباء؟، ، ومتى أتخمتنا الهموم؟، ، ومتى شابت منا الذوائب أو محقت؟، ، فماذا لو نحفن لظمئنا ، ونشرب شرب الهيم (الإبل العطشى) ، فهل يرتوي الحبيب من ريق الحبيب؟،.
هي دعوة لاستغلال هذا الزائر السريع الخاطف الساكورا ، حتى ولو بقراءة وردة صغيرة ، تفتحت بدلال وكسل في أصص زريعة ، على شرفة من الشرفات.
عطلة طيبة أيها الأصدقاء المحبون للحياة.
ramzi279@hotmail.com
الدستور