عند تحليل طبيعة البشر وتكوينهم العقلي نرى بأنّ الانسان يلجأ احيانا لأسلوب الدفاع اللاواعي؛ وذلك بإعطاء تفسيرات غير منطقية ومتطرفة لأحداث كبيرة، وفي ذات الوقت إنكار الاسباب الفعلية الرئيسية أو حتى الثانوية لذات الاحداث و هو ما يُعرف بنظرية المؤامرة.
نظرية المؤامرة أصبحت هستيريا خفية عند أغلب المشككين بالاحداث التي تحصل يوميا في عالمنا , ففي نظر معتنقي هذه النظرية فإن ما من شيء أو حدث يقع في عالمنا إلّا و هو مُرتّب ومُحضّر له بعناية ومعروفة نتائجه مهما تبدلت أو أتت بعكس المخطط له، أيّ بمعنى آخر لا وجود للصدفة مطلقا ولا يمكن أبدا أن تكون هي من لعبت دورا في وقوع الاحداث أو ترابطها ببعضها.
بماذا يؤمن معتنقو نظرية المؤآمرة , أو ماذا يوجد من افكار داخل العقلية التآمرية ؟
أولا : يستند العقل التآمري إلى ركيزة اساسية مفادها بأن الظاهر من الأمور ما هو إلّا جزء صغير جدا او حتى مُزيّف من حقيقتها الاساسية , و بهذا يكون التشكيك غير المنطقي المستند على اوهام نهجا لهذه العقلية وشمّاعة تعلّق عليها الاسباب أو النتائج المجهولة دون المحاولة في بذل أدنى جهد لتحليل المشهد وفق اساسيات علمية مقنعة.
ثانيا : كما اوردت سابقا فمصطلح الصدفة وتبعاتها مرفوض قطعيا عند أصحاب هذه النظرية، فلكل فعل في نظرهم و قناعتهم فاعل خطط لذاك الفعل و قام به عن سبق اصرار و ترصد، ويذهب أصحاب هذه النظرية برفض احكام الصدف بعيدا إلى درجة أنّهم قد يلغوا احكام الطبيعة الام و يسلّمون مفاتيح سلطتها للبشر، أيّ أنّهم لا يترددون في تفسير وقوع زلزال في مكان معيّن على أنّ المسبب له بشر يلعب في الظلام و يحرك الصفائح التكتونية على مزاجه.
ثالثا : يؤمن العقل التآمري بأنّ الاحداث التي تقع يوميا في عالمنا و مهما ابتعدت مواقع حدوثها عن بعضها البعض هي في الحقيقة مترابطة و لو حتى بخيطٍ متناهي الصِغر , أيّ أنّه على سبيل المثال إن حدث حريق في غابة في اليابان وفي نفس الوقت غرقت سفينة في البحر الاحمر فبالتأكيد هنالك ترابط لا نعلمه نحن تحركه الايادي الخفية في الظلام.
رابعا : يبحث العقل التآمري عن الدلائل و البيانات التي تدعم نظريته حتى و إن كانت تحتمل اسبابا اخرى , وفي ذات الوقت يرفض التوقف عند أيّ سبب من شأنه أن ينسف معتقده التأمري و بهذا يكون العقل التآمري قد انتهج الديكتاتورية في التفكير أو جمع الأدلة و عليه تكون التفسيرات التآمرية دائما أكيدة لا يمكن النقاش فيها من وجهة نظره.
هذه لمحة بسيطة لما يستند عليه العقل التآمري من أسس و معتقدات لتغليب فكره على الافكار المنطقية , أو حتى لاستباق الزمن و اعطاء اجابات لاحداث صادمة لم تُفسّر بعد أو تكون حتى قيد التحليل , و هذا ما حدث فعليا بالتزامن مع إعلان العديد من الشركات التوصل للقاح لوباء الكورونا , ففي نظر العديد من البشر ما اللقاح هذا بمختلف انواعه إلّا سم تنوي من خلاله القوى الخفية العظمى لقتل البشر أو حتى التحكم بهم و بطرق تفكيرهم , أيّ أن من يأخذ اللقاح و حالفه الحظ و لم يمت سوف يصبح أشبه الروبوت ( الانسان الآلي ) المُتحكَم به عن بعد و هذا برأيهم الهدف الحقيقي من نشر الوباء إن وجد حتى.
في الحقيقة إن حللنا المشهد بطريقة حيادية سوف نجد بأنّ جزئية السرعة في التوصل للقاح في أقل من عام سوف تحيّر حتى من يغلّبون المنطق على اللامنطق و لكن إن أخذنا رأي العلم فمن الممكن تجربة اللقاح الجديد على الفئران على سبيل المثال و التي يمكن من خلالها دراسة تأثيره على أجيال عديدة نظرا لسرعة تكاثر هذه الحيوانات و لتشابه خريطتها الجينية بتلك التي عند البشر و بهذا إن لائم اللقاح هذه الحيوانات و كانت نتائجه منطقية و آمنة عندها يمكن اعتماده كخطة سريعة طارئة , فبهذا يستطيع الشخص بقليل من التحليل التوصل لإجابات مقنعة دون اللجوء لتفسيرات هشّة , أمّا من يُروّجون أنّ اللقاح يحتوي على شريحة ما إن تدخل جسم الانسان حتى تتحكم به نوجّه هذا السؤال:
هل انعدمت الطرق التي تستطيع من خلالها القوى العظمة الخفية ( إن ارادت ) زرع تلك الشرائح في اجساد البشر , أيّ أنّه ما من طريقة امامهم لاستهدافنا إلّا من خلال اللقاح , أفشلوا عن طريق الطعام , و الدواء , و الهواء , و حتى الماء , و لم يجدوا أمامهم الا هذه الطريقة المكشوفة و المفضوحة و المُكلفة لتحقيق غايتهم , بالتأكيد من يفكر بالقليل من المنطق يستطيع بسهولة التوصل للجواب البديهي !
هذا اللقاح مثله مثل أيّ دواء اخترعه البشر سوف يبقى في طور التطوير في كل يوم , و سوف تدرس ردّات فعل الاجساد المتلقية له مع كل اصدار , فلا يمككنا اعطاء الصفة الاجرامية للقاح سوف يعيدنا إلى الحياة الطبيعية و لو بشكل طفيف, فقط لأننا أصبنا بعدوى نظرية المؤامرة أو حتى لبحثنا عن التفرّد في التفسيرات مهما كانت غبية أو غير مدروسة.