في مطلع هذا الشهر , قام وزير الخارجية الإيراني , منوشهر متكي, بزيارة " مهمة " الى دمشق, وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السوري, وليد المعلم , شدد الوزيران , في الإجابة على سؤال بدا انه متفق على طرحه, على التفاهم المتين بين البلدين, وبددا " الاشاعات" عن وجود خلافات ثنائية بينهما.وتعكس هذه اللغة الغامضة, عقلية دبلوماسية الكواليس, لكنها تقول, في النهاية, ما يلي: لقد تمكن الطرفان من تسوية الخلافات بينهما! وهي التي يمكننا أن نحدد أطرها في ثلاثة محاور هي: 1- التوافق الإيراني-الأمريكي, المتجسد في لقاء بغداد, على تجاوز توصيات بيكر - هاملتون, باتجاه تهميش الدور السوري في العراق 2- اعلان المفاوض الايراني حول الملف النووي, علي لاريجاني, استعداد بلاده للتعاون المباشر مع الأوروبيين بشأن تسوية الوضع اللبناني 3- تتابع الإشارات عن اتصالات سورية - اسرائيلية كثيفة, من شأن تقدمها أن يسدد ضربة موجعة للموقف الإيراني, ونفوذ طهران في لبنان وفلسطين.
لقد بدا لي المشهد كدراما معقدة, فالحليفان وصلا , بالفعل , الى لحظة الصراع على الحافة: طهران مستعدة لبيع سورية ولبنان, والانسحاب من الشأن الفلسطيني, لقاء الظفر بالعراق وتاليا بالخليج كله - وترد دمشق التي تخشى من التهميش والمحكمة الدولية وخطرالتوصل الى صفقة في لبنان على حسابها, بفتح خطوط الإتصال مع اسرائيل, ومغازلة عواصم الإعتدال العربي.
ينبغي القول, هنا, أن الإيرانيين وصلوا الى أبعد مدى ممكن , في تجاهل أوراق القوة السورية. ذلك أن اسرائيل تحتاج, بالفعل, الى صفقة مع سورية. وليس أولمرت وليفي, وحدهما , المستعدين لإعادة الجولان مقابل تلك الصفقة, بل كل مراكز القوى الإسرائيلية, بما فيها اليمين, أصبحت أمام خيار استراتيجي وحيد هو المصالحة التاريخية مع دمشق, حيث يكون الإنسحاب من الجولان حتى حدود 4 حزيران , لا مناص منه, مقابل الآتي: 1- اقفال الجبهة الشمالية وخلق اطار سياسي يسمح بتفكيك حزب الله 2- خنق حماس ووضعها تحت حماية الأمن المصري, في صيغة لإدارة غزة 3 - الإنفراد بالضفة الغربية وترحيل مشروع الدولة الفلسطينية الى الأردن 4ـ خلق مناخ دولي أكثر تشددا إزاء الملف النووي الإيراني.
واشنطن هي التي تمنع - حتى الآن - اسرائيل من السير في هذا السيناريو. وهي تفعل ذلك لسببين: 1- لضمان التعاون السوري في العراق 2- للحفاظ - مؤقتا - على البديل المتمثل في دول الإعتدال العربي.
استطيع أن أزعم أن هذه هي أطر " الاشاعات" التي سممت العلاقات الإيرانية السورية. وقد تم التفاهم على " تبديدها" الى أن يتم عقد اتفاق شامل هذه أسسه: -1- تسليم الملف العراقي والتفاوض بشأنه - الى طهران التي تستطيع تقديم ضمانات للأمريكيين بذلك, 2- لقاء انسحاب الإيرانيين من الملف اللبناني وملف التسوية مع اسرائيل, لصالح القرار السوري.
فإذا ما تأكدت واشنطن من تحقيق تقدم فعلي في ترتيب الوضع العراقي مع طهران, فسوف تقترب الساعة التي تأذن فيها واشنطن لإسرائيل بتقديم عرض مكتوب الى سورية.
والى ذلك, تبقى " المحكمة الدولية" ورقة ضغط أمريكية على دمشق, بينما لن تكف واشنطن عن تهديد ايران بالحرب.