في التنظيمات الشعبية والحزبية والنقابية تقتصر الفعالية والمشاركة على نسبة ضئيلة من الاعضاء في حين تبقى الغالبية العظمى من جسم هذه المؤسسات والتنظيمات خاملة وغير معنية بالمشاركة او التأثير. هذه الظاهرة طبيعية في البيئات والاوساط التي تحكمها التشريعات وتدار بموجب قوانين وانظمة دقيقة تتسم بالشفافية ووضوح الاهداف والتوجهات لكنها قد تتحول إلى وبال على الجماعة والتنظيم وتشجع على الاساءة والاستغلال والتراجع.
لهذه الاسباب وغيرها وجدت الجماعات والاحزاب وطرحت الرؤى والبرامج وحددت مددا زمنية معلومة لمن يتولى ادارة المؤسسات وتقييم الانجازات ومقارنتها بالبرامج والاهداف. وكما في عضوية المؤسسات والاحزاب والشركات يعتبر المواطن شريكا في ادارة الدولة ومسؤولا عن النجاحات والاخفاقات التي تحصل. المؤسف ان الكثير من الافراد يتخلى عن هذا الحق او يتنازل عنه دون ان يتوقف عن النقد والاتهام والتشكيك.
من وقت لآخر يجري الحديث عن المواطن الشريك وعن الشراكة في صنع القرار وغيرها من الادبيات التي اصبحت جزءا من الخطاب الرسمي الذي تستخدمه الحكومات والاعلام. قبل ايام صرح وزير الشؤون السياسية الذي جاء إلى الموقع من خلفية حزبية وامضى سنوات في موقعه الحالي بان الوزارة ستعمل على تهيئة البيئة المناسبة للعمل الحزبي.
لقد توقفت كثيرا عند تصريح الوزير وتساءلت عما يمكن ان تقوم به الدولة في مجال تنشيط وتوسيع دائرة المشاركة للمواطن اكثر من ان تحمي ارادة الناس من العبث وتخفيف القيود على حرية الرأي والتعبير وتحقيق تكافؤ الرص للجميع بصرف النظر عن خياراتهم الحزبية طالما انهم لا يخرجون عن القوانين ويحترمون الدستور.
حتى اليوم وبالرغم من وجود منصات للتعبير في الداخل والخارج وانقسام الكثير منها بين تلك التي تتبنى استراتيجية الترويج لما يتخذ من قرارات وتلك التي تعمد إلى المناكفة الا ان الغالبية العظمى من المواطنين يترددون في التعبير عن آرائهم وافكارهم ومواقفهم من السياسات المعلنة او القرارات التي تتخذ وتمس حياتهم ومستقبلهم.
من الناحية النظرية يعتبر المواطن الاردني شريكا في كل ما يتخذ من قرارات ويتحمل مسؤولية ونتائج وآثار كل السياسات والاخطاء والاضرار الناجمة عن هذه السياسات. إلى جانب ان الشعب عنصر مهم واساسي لوجود الدولة ان الدستور يرى ان “الامة هي مصدر السلطات” تمارسها من خلال المجلس الذي يتشكل من خلاصة الارادة الشعبية بعد ممارسة الناس لحقهم في انتخاب الممثلين في اجواء حرة ونزيهة بعيدة عن التاثير والتلاعب والضغوط والعبث.
في المراكز الحضرية الاردنية والمناطق الاكثر كثافة سكانية لا يوجد حماس للمشاركة السياسية. الاسباب الكامنة وراء هذا الفتور متنوعة ومتداخلة. بعض هذه الاسباب يتعلق بالتركيبة الديمغرافية في حين يرجع بعضها الاخر للطريقة التي قسمت فيها المناطق ونوعية التشريعات والنظم التي تحكم العملية الانتخابية وضعف الثقة بقدرة المجالس على احداث اي تغيير يعبر عن الارادة العامة للناس .
بالرغم من تجدد الحديث عن حق المشاركة السياسية واستخدامه سندا ومرجعية لعمل بعض المؤسسات التي انشئت لتحقيقه الا ان غالبية الناس لا يعرفون انهم يملكون مثل هذا الحق او اي قدرة على التأثير فيما يحدث لهم او يمس حياتهم حيث يعتقد بعضهم انه لا حق لهم في السؤال او النقد او التحليل. في بلادنا يجري التطرق لمثل هذه الحقوق على استحياء و تخلو غالبية المناهج والبرامج من اي تعريف او تأصيل لمثل هذه الحقوق كما يتم تفادي مناقشتها والتدريب على ممارستها .
في ضوء هذه المعطيات فإنه من غير المستغرب ان تجد نسبة عالية من الناس يعزفون عن الانتخاب او يتنازلون عن حقهم في المشاركة والاختيار. في الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب اقتصرت المشاركة على ما يقارب ال29 % من الافراد الذين يملكون حق الاقتراع وانصاع العديد منهم لخيارات العشيرة او المنطقة او الجماعة في حين غابت البرامج والسياسات والتوجهات المعلنة عن مدخلات العملية التي حاول الناخبون افراز من يمثل توجهاتهم.
الغد