عجيب أمر هذا الفيروس! لم يكتف بتنكيله بالبشرية على مدار عام كامل، بل ها هو يضرب من جديد، وفي العمق البريطاني هذه المرة مع ظهور سلالة متحورة هناك، إضافة إلى أنباء عن اكتشاف نفس السلالة في دول أخرى، وقد تنتشر أكثر. وها هي دول العالم تجتاحها نوبة من القلق والهلع مجددا، ويبدأ معظمها بوقف الرحلات الجوية من وإلى المدن البريطانية، ومن المرتقب أن يطال الأمر دولا عديدة مع إغلاق للحدود هنا وهناك. والقادم أعظم إن لم تنجح اللقاحات الحالية، والتي طال انتظارها، في السيطرة على الفيروس المخادع، ما قد يدخل العالم بأسره من جديد في سباق محموم لإنتاج اللقاحات، مع كل إعادة تموضع للعدو الصامت.
كورونا فعلا عدو شرس. يضرب تارة ويهادن تارة، منذ أن تسلل أول مرة خلسة إلى الصين، لينهمر بعدها دون رحمة على دول بعينها مثل إيطاليا، وليكتسح العالم في أقل من عام، مخلفا ضحايا وخسائر اقتصادية فادحة، وكأنها حرب عالمية، لكن الفرق هذه المرة أنها حرب ضد كل بني البشر، وليس بين البشر أنفسهم كما كان سابقا. وفي هذا حكمة لمن أراد أن يتعظ.
الأهم: ماذا أعددنا من سيناريوهات محتملة للتعامل مع هذا الفيروس العنيد في حال، لا سمح الله، ضرب بسلالته الجديدة محيطنا؟ صحيح أن منظمة الصحة العالمية دعت إلى عدم الذعر من طفرة كورونا الجديدة، مع تأكيدها أنها جزء متوقع من تطور الوباء مع تغير التركيب الجيني للفيروس، لكن اليقظة والحيطة واجبة، وعلينا الإعداد باستباقية لمختلف الاحتمالات.
لنبدأ أقلها كما بدأت بريطانيا، التي تعيش اليوم عزلة إجبارية، بالتأكد من وفرة مخزون السلع الأساسية من غذاء ودواء وغير ذلك لعدة شهور، ونفكر بعدها: هل ما نقوم به من فحوصات مخبرية حالية قادرة على تشخيص السلالة الجديدة؟ وهل اللقاحات المتوفرة لدينا، والتي تعاقدنا لجلبها من الخارج فعالة في التصدي لها؟ وهل سندخل في حالة من الحظر والإغلاقات مجددا حماية للأرواح؟ وما هي كلفته هذه المرة على البلاد والعباد؟ وهل لدينا خطة لإنقاذ القطاعات والفئات المتضررة وقتها؟ وغير ذلك الكثير. لا بد من تدارس الأمر بسرعة وعلى مدار الساعة، وألا نكتفي بالدعاء والتصريح أن السلالة الجديدة لم تصلنا بعد.
هذا من جانب الدول. أما شعوبا، فعلينا الحذر كل الحذر، وأن نلتزم فعلا لا قولا بإجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة والوقاية الحثيثة وحتى العزلة المطولة إن لزم الأمر، فلا مجال للتراخي والتهاون وما يرافقهما من مظاهر اجتماعية غير مسؤولة. وعلى الحكومات الرقابة الصارمة وتغليظ القوانين والعقوبة أكثر، حتى وإن كلف الأمر تسيير دوريات ظاهرة وخفية، حتى لا نقع في المحظور. علينا أن نكون أكثر قسوة على أنفسنا لنحمي أنفسنا، وأن نطبق استراتيجية الاستجابة السريعة، أفرادا وجماعات، للتحكم بالأمر. ولا راد لقضاء الله في النهاية.
لن تكون مظاهر الاحتفال بالعام الجديد بعد أيام كما كانت، وستدخل البشرية العام 2021 وهي تحمل على أكتافها هموم العيش والبقاء في زمن كورونا، لكننا لا نريد انتكاسات جديدة. فعام من التعايش الصعب والمزعج والمرهق مع كورونا يعلمنا أنه عدو متعدد الأوجه، وهو قادر على النهوض مجددا رغم تتابع الهجمات عليه، وها هي سلالته الجديدة قد ولدت.
الأمر يصلح فعلا لفيلم سينمائي عالمي بامتياز، لكنه “ومن نكد الدنيا”، كما قال المتنبي، إننا نعيش في واقع مرير لا خيال علميا كما نتمنى.
نحن بحاجة للأمل، فلنصنعه معا، خصوصا مع تنبؤات كبرى الشركات، ومنها بيونتك الألمانية أن الاستجابة المناعية للقاحها، الذي تم تطويره مع شركة الأدوية الأميركية فايزر، مهيئة علميا ضد السلالة الجديدة، لكنها بحاجة للمزيد من الدراسات للتأكد من ذلك. “وبشر الصابرين”.
(الغد)