أسعار الزيت .. وسطوة المتنفذين
د. صبري ربيحات
25-12-2020 12:04 AM
الزيتون والزيت مادتان غذائيتان أساسيتان ولا تخلو اي مائدة اردنية من وجود الزيتون او زيته. لقرون طويلة عرف سكان الشرق الاوسط الزيتون وقدروا قيمته فقد كان يدخل في غذائهم ودوائهم ووقودهم وانارة بيوتهم ومعابدهم في كل قرية وكل مدينة اردنية في جوارها توجد بساتين وحواكير للزيتون وقد اعتادت معظم الاسر على الاحتفاظ بعدد كاف من اشجار الزيتون لسد حاجاتها السنوية من هذه المادة التي تتجاوز في قيمتها واهميتها كل المنتجات الزراعية الاخرى.
في الاردن اليوم لا توجد ارقام دقيقة بعدد الاسر والمزارعين الذين يعتنون بزراعة الزيتون وينتجون الزيت بالرغم من وجود ما يقارب الـ130 معصرة حديثة تعمل لما يقارب ثلاثة أشهر من كل عام وتشتمل على سجلات وارقام يمكن ان ترشد الى كميات الانتاج السنوي.
خلال موسم قطاف وعصر الزيتون من كل عام تتدحرج الاسعار حيث تبدأ مرتفعة عند بداية الموسم ثم تتهاوى بصورة درامية لتصل الى نصف السعر الذي بدأت عنده مع نهاية الموسم دون وجود تفسير منطقي لدى اي جهة عن سبب ما يحدث. الصحافة عاجزة عن طرح الاسئلة التي تدور في اذهان الناس والاتحادات والجمعيات الزراعية التي وجدت في الاصل لتنظيم عمل القطاع والدفاع عن مصالح المزارع ولا تبدي اكتراثا كافيا، فهي تتشكل من اشخاص يميلون للضغط على المزارع اكثر من ميلهم لمعرفة الحقائق او كشف ما يدور في اروقة صناعة القرار وصناعة السياسات الزراعية.
ما يحصل في الزيتون لا يختلف عما يحصل مع منتجي الخضار والفواكه واللحوم فالجميع يصطدم من وقت لآخر بقرارات يجري اتخاذها لإرضاء السماسرة والمتنفذين ممن يملكون التأثير ولا يكترثون لمصالح القطاعات. بعض هؤلاء يشبعونك حديثا وتنظيرا عن الوطنية والمصلحة العامة وهم ليسوا اكثر من تجار وسماسرة ومتكسبين يطوعون مواقعهم لخدمة ابنائهم وتجارتهم ومصالحهم المادية.
الحجة التي يسوقها بعض المسؤولين في اجابتهم على سبب الانخفاض المفاجئ والدراماتيكي في الاسعار لزيت الزيتون البلدي تدور حول مسألة العرض والطلب ولا احد يقول او يجرؤ ان يقول شيئا عن المسؤولين الضعفاء او من يمارسون الضغط والنفوذ عليهم من اجل اصدار رخص لاستيراد كميات كبيرة من الزيت من البلدان المجاورة حيث تنخفض كلفة الانتاج فيها عما يتكبده المزارع الاردني.
في احد الاعوام التي مضت مارست شخصية متنفذة الضغط على احد الوزراء لمنح شركة نجله ترخيصا لاستيراد ما يزيد على 4000 طن من زيت الزيتون وبكلفة لا تزيد على عشرين دينارا للتنكة الواحدة لتباع بحدود الـ60 دينارا اردنيا وليطمر الاسواق الاردنية بكميات تختلف في مذاقها وخصائصها وطبيعتها عما ينتجه المزارع الاردني، كل ذلك بحجة حرص ذلك المتنفذ على مصالح الفقراء والمعوزين. هذا النموذج من الرجال الذين يختبئون خلف المصالح العامة ويكشرون اذا ما رفض لهم طلب هم القوة الكامنة وراء الكثير من المشاكل والازمات التي تتوالد وتصيب العديد من قطاعات اقتصادنا.
الشركات التي يؤسسها بعض المتنفذين لأبنائهم وابناء اصدقائهم والتزاوج بين نفوذ الآباء ومصالح الابناء كانت احد العوامل التي اغرقت السوق الاردني في الزيوت المستورد خلال الموسم الماضي تحت حجج متنوعة وغطاءات متباينة.
سطوة المتنفذين وضعف من يقفون على منافذ صناعة القرار وغياب الرؤية والمساءلة عوامل رئيسة في توالي وتكرار المشكلات التي تتوالد عاما بعد عام.
(الغد)