قد يكون السؤال غريباً للبعض خاصة مَن يعتقِدون أن الرئيس الأميركي المُنصرِف «كُلّي» القوة والقُدرة لا يهاب أحداً ولا يخشى شيئاً, وبالذات سرعة إقالة أي مسؤول في فريقه وكوكبة مستشاريه, مهما علا شأنه... سياسياً كان أم عسكرياً, حتى الجنرالات المُحّمَلة أكتافهم وصُدورِهم النجوم والأوسمة وسِجلات حافلة بالإنجازات (إقرأ القتل والتدمير أثناء حروب أميركا وغزواتها العدوانية).
لكنه (السؤال) يبدو مشروعاً إذا ما تتبعناً سِجل ترمب وإرثه طوال السنوات الأربع الماضية, خصوصاً إزاء مَن يختلِف معه أو يُخالِفه الرأي ولا يتطابَق «تماماً» مع رؤى ورؤية رئيس الصدفة, المُقتحم ميدان السياسة دون تجربة سابقة, والآتي من عالَم العقارات والسمسرة وتلفزيون الواقع (قد يعود إليه بعد أفول نجمه), وبخاصة عالم مُسابقات ملِكة جمال العالم وما تحفل «عوالم» كهذه من أسرار ومغامرات.
عودوا إلى وقائع السنوات الأربع المنصرِفة, وقوموا بإحصاء «أعداد» الذين أطاحهم ترمب عبر تغريداته, سواء كانوا سياسيين كوزير خارجيته الأسبق تيلرسون, أم جنرالاته الذين تولوا وزارة الدفاع مثل جيمس ماتيس الموصوف «الكلب المسعور», أو منصب مستشار الأمن القومي مثل بولتون, إذ لم يتردَّد ترمب في وصفه بالأكثر غباءً في أميركا, بعد أن نشر بولتون كتابه الفضائِحي الموسوم...«الغُرفة التي شهدت الأحداث», بل تجاوز ترمب كل أُطر الكياسة وحدود اللياقة والاحترام, بتطاوله على مستشاره «الصحي» د. فاوتشي كبير خبراء الأمراض المُعدِية, الذي ناقض تعليقات ترمب حول جائحة كورونا مرات عدة (كونها غير دقيقة عِلمياً).
عودة إلى بومبيو
وزيرالخارجية «كَذّبَ» ترمب عَلناً وأكثر من مرة, حول الهجوم السيبراني الواسع الذي تعرّضت له وزارات ومؤسسات أميركية حسَّاسة, عندما حمّل بومبيو وبشكل «مُؤكَّد» المسؤولية لروسيا, فيما كان ترمب قبل ذلك...غَرَّدَ التالي:«تم إعلامي بشكل كامل وكل شيء تحت السيطرة»، مضيفًا:«روسيا روسيا روسيا..هذه أول (لازِمِة) تتردّد عند حصول أي شيء»، مُعتبِرا أن الاتهام يوجّه دائما لروسيا «لأن وسائل الإعلام–ولأسباب مالية- تخشى الإشارة إلى الصين، التي يمكن أن تكون هي المسؤولة عن ذلك».
تكذيب بومبيو رئيسه (جاء بعده وزير العدل المُقال وليام بار) وفي أوقات عصيبة وصعبة بل الكارثية يعيشها ترمب, كان كفيلاً لركل بومبيو وإطاحته على نحو أكثر مهانة وسوءاً من قراراته السابقة, إطاحة «كوكبة» مُتزايِدة ومُتدحرجة, ممن التحقوا بإدارته ووجدوا أنفسهم خارج الوظيفة عبر تغريدات مهينة ومسيئة, من رئيس لا كوابح له أوضوابط.
ثمّة ما يمكن توقّعه هنا
ترمب لا يرغب – وربما لا يستطيع – إطاحة بومبيو, كون الأخير «أكثر قوّة» من رئيسه, وهو مفتاح مُهم لدى اللوبي الإنجيلي المُتصهيّن كقاعدة انتخابية رئيسية لترمب, بل بومبيو (كما نائب الرئيس...بينس) إنجيلي/صهيوني مُتعصِّب، وإذا أقاله ترمب فإن الأخير سيكون الخاسر الأكبر اذا ما فكَّر بالترشّح لانتخابات 2024 الرئاسية. خصوصاً أن بومبيو لم يُخف رغبته بالترشّح للمنصب الأميركي الأول.
ما نحسبه سبباً «لَجَمَ» ترمب وأجبره على ابتلاع تكذيب بومبيو, في وقت وصفَ كثيرون في الكونغرس ترمب بـ«الخائن»,مُتسائلين عن «سِر» علاقة ترمب بموسكو وبوتين شخصياً.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي