العنف الاجتماعي .. من المسؤول ؟
ماجد ديباجة
13-04-2010 08:51 PM
للاسف .... مرة اخرى وبكل حرقة ومرارة ... تتجلى صور العنف الاجتماعي هذه المرة في الجامعات ، وقد نجانب الصواب اذا اقتصرنا تحليلنا على جامعة بعينها او شريحة اجتماعية واحدة او منظقة معينة ، فالحقيقة المرة التي تتراءى لنا ان العنف اصبح ظاهرة ، بعد ان كان بعض حوادث متفرقة هنا وهناك ، واصبحت منارات العلم والمعرفة ، مرتع غني لممارسة هذه الظاهرة التي تكاد تسلخ الجامعات عن وظيفتها الحقيقية المقدسة .
ولم يعد من الطبيعي ان نقف صامتين امام هذه الظاهرة التي لا يمكن تجاهلها او تجنب النقاش فيها لانها من اصعب واخطر الاوضاع الاجتماعية التي تواجه مجتمعنا الاردني المسالم بطبيعته .
في الحادثة الاخيرة التي اذهلت الشعب الاردني ووضعته على محك التفكّر والتدبّر ، ذهب شاب في مقتبل العمر وزهوة الشباب ، ضحية ارهاصات اجتماعية غير مألوفة تكاد توسم ملامح المجتمع الاردني في الآونة الاخيرة ا .
اننا اذ ننقل عزاءنا وحزننا الشديد الى عائلة وعشيرة الشاب المغدور ، حيث اننا خسرنا شمعة من شموع الوطن كانت تتهيأ لتضيء دربا من دروب العطاء ، فاننا لنرجو الله ان تكون اخر الملمات التي تصيب المجتمع الاردني ، لان ما يحدث من اعمال عنف يتعدى كونه طوشة او فزعة او خلاف بين طرفين ، بقدر ما هو انعكاس للواقع المؤلم الذي اصبح المجتمع يعانيه من تدهور وتراجع في المآثر والنظم الاجتماعية التي تنظم قيم مجتمعنا الاردني الطيب .
ان مجموعة المبادي والقيم التي تنظم العلاقات مابين شرائح المجتمعات وطبقاتها تبنى من خلال ركائز ورافعات فكرية وفلسفية مدروسة ومتراكمة على مدى سنوات طويلة ، تنتظم خلالها كالعقد الذي يطوق جيد المجتمعات ، والذي يحوي ادبيات وافكار ساهمت في تكوينها عادات وتقاليد وتعاليم دينية عريقة متجذرة في العقل الجمعي الكلي ، بحيث تتشارك فيه مختلف شرائح وطبقات المجتمع ، تلك الافكار والقيم التي تكاد تنهار شيئا فشيئا امام اعيننا ، دون ان نعيرها اي انتباه ، بحيث تكاد تلك التراكمات الفكرية والقيميّة تتسرب من بين ايدينا كما يتسرب الماء من الغربال . وان عدم الالتفات الى ما يجري من تسرب لمثل هذه القيم والافكار من بين ايدينا بشكل متسارع نكاد لا نلحظه ، ستفضي بنا الى ما لا يحمد عقباه..
اننا امام استحقاق اخلاقي ومبدئي عميق يتطلب منا الوقوق طويلا ، والتحديق بكل التفاصيل التي تخللت احداث العنف الاجتماعي ، وقد نوهنا سابقا الى ضرورة تصدي علماءنا وباحثينا ومفكرينا الى ضرورة تحليل اسباب هذه الاحداث قبل ان تصبح طاهرة وتمحيص كهنها ، كي نستطيع ان نستدل الطريق نحو حلول ناجعة وحازمة لما يجري ، بحيث لن ينفع مع مثل هذه الحالات الحلول قصيرة الامد والافكار المجتزءه .
لذلك فانه لا بد من مراجعة شاملة للمعطيات التربوية والتعليمية في المجتمع ، تلك التي تعتبر سندا وداعما للقيم التربوية الاجتماعية والعائلية ، فضلا عن تفعيل مختلف الشرائح الاجتماعية في العملية السياسية والفكرية في السياق العام للمجتمع والدولة ، لان من شأن ذلك ان يرفع من سوية المسلكيات العامة التي تهتم بالشأن العام وتقدمه على الحسابات المناطقية والعشائرية والعائلية ، كما انه لا بد من دراسة عميقة للاوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تنظم الحياة اليومية للمجتمع والافراد . بحيث نقطع الطريق عن الارهاصات والاحتقانات النفسية والشخصية التي يعاني منها كثيرون من افراد المجتمع .
ان التوجه نحو اجتراح الحلول يعني المكاشفة والشفافية في تشخيص الواقع وعدم التعتيم او تغييب اي من المعطيات المسببة والمؤثرة على هذا الصعيد ، كما انه لا بد من وضع كل تلك المعطيات امام صانعي القرار ، ومتصدري العمل العام ، ليقوموا بدورهم بكل امانة وحرص يعيد مجتمعنا الى طبعه الطيب والاصيل .
والله من وراء القصد