عَشقَ النَّحو، هامَ في شواهده، اعتلى قمَّة الهرمِ بين زملائه عند أستاذه، نَبَتت قريحتُه في ربوعِ الزَّيتونِ والسِّنديانِ، والبلُّوطِ، وشَجرِ الزَّعرور، فاستوت واشتعلت، فيه عُرامٌ يُلازمه، لا يُفلت من زمامِه، انقلبَ عليه أستاذه يومَ المناقشة، ظَهرَ أسيفًا، دَفعوا به إلى عُنق الزُّجاجة مثل هِرٍّ باتَ في حَبسٍ، كان يتلطَّف بشيخِه، أبت أخلاقُه أنْ يكشفَ عنه في القاعة التي غصَّت بأبناء القرية، وكلِّ الأصدقاء..، لكنَّه أبى وركبَ رأسَه، فأبى وركبَ رأسَه..، لمَّا أشرفَ وضاقت به عُنُقه، صَدَع بما مرَّ فيه:
- كلُّ هذا بتوجيهٍ منك، يا مُشرفي!
ضياع:
- لكنَّ أباك لم يُحافظ عليه يا حفيدَ "الأمين"!
بهذا ردَّت عليه إذْ ضَجر منها، وعلَتْه كَشْرة، وقَطَّب جبينَه- يوم ذهبَ إلى أوروبَّة باحثًا في "كنوزِ الآباءِ والأجداد"؛ لإعدادِ أطروحةٍ علميَّة في حقلٍ من حقول التّراثِ المَنسيّ في "بلاد العُرب أوطاني"، وذرَفت عيناه لنفائسَ وذخائرَ نُقلت إلى حيثُ هو، واغتاظَ من المبالغة في حفظِ المَخطوطاتِ الذي لم يعتده في المَشرق..، طَلبَ مخطوطًا، شَرعَ يُقلّب صَحائفه بخشونةٍ وعُنف، تَرمقُه -وهو لا يتلطَّف- فتاةٌ شَقراءُ لم تُلوّحها شمسٌ، ولا عَفَّرتها صَحراءُ، جاءته على استحياء، أخذتْ بأناملها النّاعمة تُوالي له وَرقةً تلو أخرى- فصاحَ بها:
- ابتعدي؛ ربَّما يكونُ هذا المَخطوط بخطّ جَدّي!
قَمْحة:
أقنعَ صاحبَه أنْ يفحصَ "كورونا"، مَرَّ به صباحًا إلى أحد المُختبرات، أُخِذتْ له عِينة، ابتسم لهما الموظَّف:
- إنْ شاءَ الله "شعيرة" (حَرّكتِ الكلمةُ خوفَ السّائق).
- عُودا بعد ساعتين.
- ننتظر هنا.. (حرَّك رأسَه أنْ: لا)
خرجا، ذهبا إلى "مطعم ياسين" الشّهير في وسط المدينة، طلبَا صَبوحَهما، أكلَ المُعيَّن، وبدا المُبادرُ ساهمًا.. عادا ظُهرًا، ظَهَرَ الموظَّف بوجهٍ تَعلوه قَتَرة!
- بَشِّرْ؟
- قَمْحة (بصوتٍ خافت).
- (السّاهم تنفّس الصُّعداء): الحمدُ لله.
- (المصاب بِضَجر): الحمدُ لله؟