المركز الوطني للأوبئة والأمراض السارية
د.سعد الخرابشة
22-12-2020 11:30 AM
عندما يوجه جلالة الملك الحكومة لاستحداث مركز وطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية فإنني أفهم وأقدر أن هدفه هو إيجاد مركز تميز على مستوى عال من الكفاءة والفاعلية يضاهي مراكز التميز الأخرى الموجودة في الوطن ككادبي ومركز الحسين للسرطان ومركز السكري والغدد الصماء والجمعية العلمية الملكية على سبيل الأمثلة وليس الحصر ويضاهي أيضا المراكز العالمية المشهورة كمراكز الوقاية والسيطرة على الأمراض الأميركية والمراكز الأوروبية وغيرها. وليس مطلوبا من جلالة الملك أن يدخل في التفاصيل القانونية والفنية لكيفية إنشاء هذا المركز وتوفير السبل والإمكانيات لتشغيله.
استجابت الحكومة لرغبة وتوجيه جلالة الملك بسرعة وأصدرت نظاما خاصا بهذا المركز وعينت رئيسا له برتبة وزير وهذه خطوات جيدة وسهلة، لكن الصعوبة تكمن في كيفية تفعيل هذا النظام وتشغيل المركز على أفضل وجه ليتمكن من تحقيق الأهداف الكبيرة الموجودة في نظامه.
بقراءتي المتواضعة لنصوص النظام وأنا لست قانونيا أستنتج أن هذا المركز سيأخذ مهام وصلاحيات وزارة الصحة الواردة في قانون الصحة العامة فيما يخص مكافحة الأوبئة والأمراض السارية وبعض برامج الرعاية الصحية الأولية الأخرى والتي هي من صلب إختصاص أي وزارة صحة في العالم. إن كان الأمر كذلك فكيف لنظام أن يقيد أويعطل قانون الصحة العامة؟ وإن لم يكن هذا الإستنتاج في محلة فسيشكل هذا المركز على الأقل جسما موازيا للوزارة ينازعها في كثير من الصلاحيات، فالمادة الخامسة من النظام تؤيد هذه الفرضية. وبالإطلاع على المادة السادسة من النظام المتعلقة بتشكيلة مجلس المركز يتبين أن هنالك أربعة وزراء أعضاء في المجلس ليس لهم علاقة مباشرة وأساسية في طبيعة مهام المركز عدا وزير الصحة مع جل احترامي لهم جميعا وأظن أن المشرع استلهم هذه التشكيلة من تشكيلة المجلس الصحي العالي، ثم لم أجد في عضوية هذا المجلس ذكر لأصحاب الإختصاص الأساسيين في علم الوبائيات والأوبئة والأمراض السارية والذين من المفروض هم من يقودون هذا المركز أو يشكلون على الأقل العمود الفقري سواء لمجلس المركز أو لإدارته التنفيذية.
فمع الإحترام لباقي الإختصاصات الطبية فهذا المركز ليس مركزا علاجيا وإنما هو مركز يعنى بالوقاية والسيطرة على الأمراض والأوبئة ويحتاج لمعارف وخبرات فنية متخصصة.
وثمة نقطة مهمة أخرى تستحق الدراسة، أليس من الأفضل أن يكون لهذا المركز حاضنة ينظم تحت مظلتها بحيث يتوفر فيها البنى التحتية الجاهزة والمناسبة كالمباني والمختبرات ووسائل البحث والمكتبات..الخ كإحدى الجامعات الرسمية أو وزارة الصحة مثلا وعلى أن يبقى متمتعا باستقلالية تامة. لماذا لا نزال نكرر تجارب سابقة بإنشاء هياكل إدارية موازية وثبت عدم نجاحها وتحقيق أهدافها المنشودة. ألم نتعظ من المجلس الصحي العالي والذي تم إنشاؤه منذ ثمانينات القرن الماضي وهو ما زال يحبو حتى يومنا هذا رغم أن فكرة انشائه رائدة جدا وأهدافة عظيمة لو تم تحقيقها.
أنصح الحكومة ولا زال الأمر مبكرا أن تعيد قراءتها لهذا الموضوع بشكل متأني للبحث في كافة السبل والمنهجيات والإطلاع على التجارب الناجحة في العالم قبل التسرع بتفعيل عمل هذا المركز فالبداية المدروسة جيدا خير ضمانة للنجاح من التسرع كي نتمكن من تلبية طموح جلالة الملك ومنفعة الأردنيين.
اللهم لا أبتغي إلا نصحا صادقا يصب في مصلحة الأردن العزيز