في كتابه الصادر عن دار الوحدة للطباعة والنشر- بيروت، يحدثنا الدكتور إسماعيل صبري عبد الله عالِم الاقتصاد المعروف عن مفهوم «التنمية والظروف التي من دونها لا يمكن الظفر بتنمية حقيقية». ويركز هذا الخبير الاقتصادي على واقع التنمية العربية، فيقول: «لا تنمية بلا تحرّر، ولكن الذي يمكن ينحصر في بعض المظاهر الشكلية: ألقاب رياسة الدورة، «العلم الوطني والنشيد، عضوية الأمم المتحدة» (ص26).
ويربط المؤلِّفُ التنمية بالاستقلال الاقتصادي، بتصفية مواقع الاستعمار وجيوبه داخل الاقتصادي القومي، ثم يردف قائلاً: «ولا يكفي تحقيق الاستقلال السياسي الاقتصادي، بل لا بد من المحافظة عليه». وحتى يتم ذلك لا بد من أن تكون «الإرادة الوطنية» حرّة. وبالنسبة لبلداننا العربية فإن «التنمية ينبغي أن تكون في إطار الوحدة حتى تعطي مردودًا جيدًا شريطة أن يدعم ذلك تخطيط عربي سليم يؤمن بالتكامل الاقتصادي العربي الذي يؤدي إلى العدالة الاجتماعية.
في هذا السياق يدعو الكاتب إلى إحداث زيادة ضخمة في حجم المبادلات بين الدول العربية، مما يفتح المجال أمام سوق مشتركة ناجحة.
وينتقد «مشروعات التنمية القطرية» التي تهمل التفكير في التكامل الاقتصادي ومشروعات التنمية المشتركة، (ص 31). وهنا يقترح على المسؤولين العرب «السعي من أجل التقارب في الإجراءات الاقتصادية وأن تنوِّع في أشكال التعاون الاقتصادي فيما بينها» (ص31). وحتى ينجح هذا التكامل الاقتصادي العربي يجب أن «تصبح الوحدة الاقتصادية قضية جماهيرية توليها الأحزاب والتنظيمات السياسية عنايتها».
لا مستقبل للتنمية في الوطن العربي كله دون وحدة اقتصادية، تتوخى توفير العدالة الاجتماعية للجماهير العربية.
وهنا يشير الدكتور إسماعيل صبري إلى خطر «الاستعمار الجديد» الذي يتهدد طريق التنمية الشاملة في الوطن العربي من خلال أساليبه الجديدة في التعامل مع البلدان العربية، ومنها ما يسمى «بالمعونات،» فهو يراها أسلوبًا ماكرًا في ربط البلاد العربية بالسياسة الغربية.
ويستخف بهذه المعونات «إذا ما قورنت بالأرباح الهائلة التي تحققها الاحتكارات الغربية من استغلالها للموارد العربية». وفي رأيه أن هذه المعونات «تخرب مجهود التنمية» لأنها لا تمول مشروعات تنمية أساسية بل إن «الجزء الأعظم منها يذهب لجيوب عدد من المنتفعين الذين يعملون في برامج المعونة أو يتعاملون معها لدعم طبقة برجوازية طفيلية ترتبط بالإمبريالية فكرًا ومصلحة، وتتمايز عن الجماهير الشعبية فتعاديها وتعطل التنمية» (ص32). أما «المعونات الخارجية» فينبغي أن لا تكون مشروطة، كالمطالبة بضرورة «الاعتماد على خبرة أجنبية معينة أو تخصيص المعونة لمشروعات غير مجدية أو إيقافها بغرض معرفة الدولة!» (ص33).
من هنا يدعو إلى الحذر من المعونات الخارجية المشروطة، لأنها لا تتوخى المساعدة النبيلة للبلدان النامية. وفي موضع آخر من الكتاب يتطرق المؤلف إلى «موقع الوطن العربي من النظام الدولي»، فيشير إلى أننا العرب حين «نعرض قضايا التنمية والتكامل الاقتصادي بل والتوحد السياسي نغفل واقع أن أقطارنا جميعًا جزء من نظام عالمي يربطها بوشائج متعددة، كثيفة ومتزايدة، سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية وإعلامية، وهي وشائج تؤثر في اختياراتنا القُطرية، كما أن اختياراتنا القومية. لا يمكن أن تكون فاعلة إلا إذا كانت على حسابها» (ص49). ولهذا على المسؤولين العرب أن يفهموا طبيعة النظام الدولي وآليته وتحديد موقع دولهم منه، حرصًا على أن يتم حسم قضايا التنمية على النمو الصحيح. إنهم لا يواجهون روابط اقتصادية غير متكافئة فحسب «فأمــــور الاقتصـــاد هنا أيضًا لا تنفصل عن قضايا السياسة والثقافة والاجتماع والحضارة»، فمن القصور أن نتحدث عن نظام للعلاقات الاقتصادية الدولية على حدة، فنحن -كما يشير المؤلف- إزاء نظام للعلاقات الدولية له قلب مسيطر يمارس الفعل المؤثر داخل بلدان العالم الثالث. وهذا النظام يشبه الأوضاع الفلكية من حيث أن الجرم الأثقل وزنًا يُخضع حركة الأجرام الأخرى لحركته ويجذبها حتى تأخذ مكانها في فلكه وتدور حوله» (ص52). وفي هذا الصدد يشير المؤلف إلى أساليب النهب التي تتبعها الإمبريالية في استغلال الثروة النفطية لبعض البلدان العربية، وهو استغلال يتجسد في حصول البلد النفطي باستمرار على أقل مما يعطي.
وحتى تنجو هذه الأقطار العربية الغنية من الاستغلال لخيراتها عليها أن تلتفت إلى تحرير اقتصادها من التبعية وتفعيل التكامل الاقتصادي العربي.
ويختتم الدكتور إسماعيل صبري كتابه بالحديث عن «المقومات الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطية في الوطن العربي». ويأخذ على الشعارات العربية التي رفعت شعار «الديمقراطية» أنها رغم تقدميتها «تركت المفهوم الديمقراطي في الظل توهُّمًا من أصحابها أن الأهداف السامية المبتغاة من حرية ووحدة واشتراكية يمكن أن تتحقق بعيدًا عن الديمقراطية» (ص 171).
وفي إضافته عن «الديمقراطية» يقول: «إن للديمقراطية جانبين متمازين عقلاً وإن تلازما عملاً؛ الجانب الأول هو ما يسمى «حقوق الإنسان»، والجانب الآخر هو أن يكون للناس صوت، وصوت مسموع في إدارة الحكم» (ص172).
من هنا علينا كعرب ونحن نطرح قضية الديمقراطية «أن نطرحها باستمرار في خط موازٍ لها لبناء الأخرى»، وهذا يعني أننا إذا طالبنا بـ «الوحدة العربية» علينا أن نطالب معها بالديمقراطية وإلا ستكون الوحدة سيطرة فريق على فريق».
وبرؤية عميقة يضيف الدكتور إسماعيل صبري قائلاً: «يجب أن لا نسترخص الديمقراطية في سبيل ما نتوهم أنه أثمن منها، لأن ما نتوهم تحقيقه بعيدًا عن الديمقراطية هو بناء على غير أساس ويمكن أن ينهار في أي وقت» (ص182).
وفي تأكيد منه على ارتباط الديمقراطية بالجانبين السياسي والاقتصادي يقول: «الديمقراطية في نظرنا لا يمكن أن تسير إلا بجناحيها السياسي والاقتصادي».
إنَّ الدكتور إسماعيل صبري في كتابه هذا أكد «أن أهداف التنمية العربية الشاملة لا يمكن أن تتحقق إلا في إطار ديمقراطي»، إضافة إلى ذلك فقد دعا إلى «التنمية القومية» وعدم الاكتفاء بـ «التنمية القُطرية» فالأولى إذا تحققت على النحو المنشود فإنها تدعم أي تنمية «قطرية».
وحتى يتم ذلك «لا بد أولاً من تحرير الإنسان العربي والموارد العربية؛ تحرير الإنسان العربي من الفاقة والعوز، وتحرير الموارد العربية من صنوف السيطرة الخارجية والاستئثار الداخلي» (ص48).