في واحد من فصول مقدمته عمد ابن خلدون إلى تصنيف البدو لدرجات ثلاث، حسب درجة توغلهم في الصحراء ودرجة ابتعادهم عن مستلزمات المدينة:
أقصى درجات البداوة عنده هم أولئك الذين يعتمدون على الإبل في معاشهم وتنقلهم، يليهم أولئك البدو الذين يعتمدون على الماعز والغنم والبقر. يليهم في الصف الأخير من البداوة أولئك البدو الذين يعتمدون في معاشهم على الزراعة.
والذي يحير ابن خلدون، هو كيف تمكن الأعراب بتعصبيتهم وشغفهم بالغزو ومحدودية تفكيرهم ... كيف تمكنوا من الاستيلاء على الراية العسكرية الإسلامية، واستولوا على رأس الهرم في السلطة السياسية عن طريق معاوية بن أبى سفيان، ثم تمكن الأعراب ذاتهم من صنع امبراطورية عظيمة وكبيرة نقلت العالم عدة درجات حضارية إلى الأعلى، لا بل وصلوا ذات عصر إلى قمة الحضارة العالمية.
الذي (طلّع روح) ابن خلدون أن هؤلاء العربان نقلوا العالم حضاريا إلى الأعلى، لكنهم بقوا على حالتهم الأولى عربا بائدة وعاربة ومستعربة ومستغربة .... نعم ظلوا بدوا يحاربون الحضارة ويصنعونها في ذات الوقت لا بل انهم تمكنوا من إزالة منجزات حضارية سابقة، مثل العجلة التي استخدمها الاثينيون في حروب طروادة منذ قرون عدة قبل الميلاد، كذلك استخدمها الفراعنة والهكسوس والرومان... لكن البدو الذين أسسوا إمبراطورية لم يستخدموا العجلة لا في الحرب ولا في السلم واعتمدوا في تنقلات جيوشهم على الإبل والخيل(عادت العجلة الى بلادنا على دبيب عربات الشركس) فلم يصنعوا (العرب)الطرق المعبدة والمرصوفة ولم يبنوا مدنا، ولم ينشئوا المرافق العامة.
ما زلنا عربا عاربة رغما عن ارتداء الجينز وجلوسنا أمام التلفاز واستخدام الهاتف النقال .... ما نزال بدوا استهلاكيين، ترسخت فينا مواصفات البداوة عدا الشجاعة والكرامة والإباء ... حيث فقدناها على دبيب القرون.
وتلولحي يا دالية
الدستور