لو كنت صاحب قرار في بلدي, لما ترددت للحظة, باتخاذ قرار فوري بإغلاق المدارس الاجنبية كافة, والمدارس التي تعتمد مناهج غير أردنية في بلدنا. ولهذا القرار عشرات المبررات الدستورية والوطنية والدينية. وأول ذلك: إن التعليم من الحقوق الأساسية للأردني التي يجب ان توفرها له دولته. ولا يجوز بحال من الأحوال أن يتحول التعليم إلى سلعة متفاوتة الجودة والسعر. لتصير حكراً على من يملك ويُحرم منها من لا يملك. وهي الحالة التي يتجه إليها التعليم في الأردن, في ظل الانتشار السرطاني للمدارس والمعاهد والجامعات الخاصة, التي انفلت معظمها من عقاله من حيث ارتفاع الأقساط, وما يتلو الأقساط من متطلبات يتفنن القائمون على التعليم الخاص في بلدنا في ابتداع ألوانها, وأصنافها وأسعارها, ولا يجد أولياء الأمور مفراً من الرضوخ لها. وفي هذا المجال, أعني مجال ارتفاع الأقساط وكلف المتطلبات الأخرى, تتصدر المدارس الاجنبية والمدارس التي تعتمد مناهج غير أردنية قائمة الغلاء.
ليس الغلاء وارتفاع الكلف هو السبب الوحيد, للمطالبة بإلغاء المدارس الاجنبية, وتلك التي تعتمد مناهج غير أردنية. وقد يقول أحدهم: إن الدراسة في هذه المدارس اختياري, ولا أحد يجبر أحداً على تسجيل أبنائه فيها. وقد فات القائلين بهذا القول, أن جزءًا كبيراً من دخل هذه المدارس يذهب إلى غير الأردنيين, مما يشكل نزفاً للاقتصاد الوطني. كما أن وجود هذا النوع من المدارس يؤشر, إلى حالة من التفاوت الطبقي بل يرسخ هذه الحالة وافرازاتها بكل ما تمثله من مخاطر. خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها بلدنا وما تفرزه من حالة احتقان اجتماعي, تلوح مخاطره في الأفق. هذا بالاضافة إلى أن رفعها لاقساطها ولكلف انشطتها, يغري غيرها من المدارس الخاصة على رفع اقساطها وكلف أنشطتها. ومع ذلك فليس هذا هو السبب الوحيد للمطالبة بإغلاق المدارس الاجنبية فهناك أسباب أخرى أخطر وأهم من هذا السبب ومنها:-
* إن هذه المدارس بعضها أن لم يكن كلها, تعلم طلبتنا وتنشئهم, على قيم وتعاليم غير إسلامية. بل وتخالف قيم وتعاليم الإسلام جملة وتفصيلاً. وهي بالضرورة تنشئهم على قيم وتعاليم اجتماعية مختلفة عن قيمنا وتعاليمنا الاجتماعية والاخلاقية العربية الإسلامية. مما جعلها سبباً رئيساً من أسباب التمزق الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع الأردني, الذي تحوّل بفعل هذا التمزق إلى مجموعة جزر منعزلة, فاقدة للقدرة على التخاطب والتفاهم فيما بينها. وهو التمزق والانعزال الذي صرنا نلمس آثاره في هذه الأنماط السلوكية الشاذة والغريبة عن مجتمعنا, وأهم تجلياتها العنف الجامعي الذي وصل إلى درجة القتل. ناهيك عن حوادث الاغتصاب والتعاطي والنّصب والاحتيال والتمزق الأسري. وهذه مظاهر لا يستطيع أحد أن ينكر أنها تؤشر في جانب من جوانبها على إخفاق النظام التعليمي والتربوي في بلدنا في أن يبنى نظاماً تربوياً موحداً; خاصة على صعيد القيم. فقد صار الإفلاس التربوي لنظامنا التعليمي من المسلّمات. بدليل مسلسل الوقائع المشينة التي تدل على كيف صارت طبيعة العلاقة بين الطالب والمعلم في مدارسنا, وبين المدرسة والأسرة في مجتمعنا. ولا أحد ينكر أن تفاوت المناهج والقيم التي يتلقاها طلبتنا في المدارس, واختلاف بعضها جذرياً وخاصة في القطاع الخاص عن سائر المناهج والقيم التعليمية والتربوية في بلدنا من أهم أسباب هذا التمزق الاجتماعي, الذي يفرض إغلاق المدارس الاجنبية, وتلك التي تعتمد مناهج أجنبية, كخطوة أولى على طريق إعادة بناء منظومتنا القيمية والتعليمية. مع ضرورة السعي لتطوير المناهج والمدارس الأردنية الرسمية لتواكب العصر من حيث التقدم التقني.
* ليس التمزق الاجتماعي وحده سبب الدعوة لإغلاق المدارس الاجنبية, وتلك التي تعتمد مناهج أجنبية. فهناك ما هو أخطر من التمزق الاجتماعي. وهو التمزق الثقافي أحد أسباب التمزق الاجتماعي. ذلك أن الثقافة هي التي تبني في الإنسان منظومة القيم والمفاهيم التي تنعكس سلوكاً في حياته وممارساته ومواقفه كلها: السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ومن نافلة القول, إن المدرسة .
اللواء.