اشكالية "التحايل والغش" في امتحانات " التعليم عن بعد "
فيصل تايه
20-12-2020 09:08 AM
من الضرورة بمكان تمتع اولياء الامور والطلبة والمعلمين وكل المُتداخلين في العملية التعليمية بالوعي الفردي والجماعي والتّجاوب الإيجابي مع التّوصيات التي من شأنها انجاح كل الإجراءات والتغلب على مجمل التحديات، المتعلقة بأمن الامتحانات المدرسية "عن بعد" خاصة ونحن نعيش التجربة ، فما فرضته الظروف الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، يملي على وليّ الأمر استعادة دوره المفقود خلال العقود الماضية ، مع ضرورة أن يكون الأبوان جزءاً من العملية التعليمية ، ويتحملان مسؤوليتهما عن تعليم ابنائهم، لكن بعض أولياء الامور وللاسف يتهربون من هذه المسؤولية، ويأخذون الامور بطريقة غير مسؤولة ، فما آثار حفظتي ما سمعته من احد المعارف من اولياء الامور ، فلم تكن مجرد نكتة عابرة قالها لي مازحاً : "حصلت على درجة كاملة في امتحان ابنتي"، ما يعني بالمقابل أن بعض اولياء الامور حملوا أنفسهم مسؤولية ابنائهم حتى في تقديم الامتحانات عنهم ، فما يهمهم في النهاية " العلامة "، ليضعونا ويضعوا وزارة التربية مجدداً في ارباك متعمد ومسؤولية ليس لها آخر ، وتصوير الواقع الافتراضي عبر بوابة التعليم عن بعد وكانه لعبة تسلية اجبارية، ففي ذلك سيبدو التعليم عن وبعد ناقصاً من دون تحقيق التفاعل الكامل بين الطالب والمادة ، وهذا يعود بالمسؤولية مرة أخرى على ولي الامر ، فتهاون اولياء الامور وللاسف سمح بانتشار التهاون مما أدى إلى تفشي ظاهرة التحايل والغش واساليبه المختلفة بين أوساط الطلبة ، بل وصل الامر عند بعض الطلبة واولياء أمورهم للاستعانة بتجار الامتحانات الإلكترونية واساتذة الدروس الخصوصية مقابل الاجر ، وهناك من لجأ من الطلبة إلى أساليب غريبة في الغش اكتشفناها بالصدفة مثل برامج الحل الالكترونية المصممة للغاية، وحيث مجموعات الحل على الواتس اب ، ومساعدة الطلبة بعضهم والبعض او حتى بالإجابة عن بعضهم البعض.
وفي ذلك فالمأخذ الذي سيأخذ على ولي الأمر "الاب ام الام" والذي بتكفل بحل الواجبات او الإجابة على اسئلة الامتحانات ، أو الاستعانة بمعلم خصوصي، أو عبر محركات البحث ، تغييب اكتساب ابنه كطالب للعلم والمعرفة وذلك لمصلحة «النجاح» ، حتى وإن كان ذلك النجاح وهمياً، بل زاد الطموح لدى بعضهم في تحقيق «التفوق» والعلامات المرتفعة ، فهم يخرقون المبادئ الصحيحة بانتهاجهم هذه الأساليب ، وكأن التحايل والغش أصبح حقاً مكتسباً ، بينما تغيب عيون الرقابة لدى البعض منهم ، فلا رقابة ذاتية، ولا رقابة أسرية ، في مشهد يعكس صورة خاطئة، وكأن بعض الأطراف المعنية بالتعليم ، بدءاً من الطالب، تريد فقط أن «تحقيق النجاح من أجل النجاح فقط»، من دون حساب لما يترتب على ذلك من تكريس لثقافة الغش، ومعاناة الطالب في ما بعد من ضعف تراكمي سيسبب له الكثير من الانعكاسات السلبية على مستوى التحصيل الدراسي ، فالمشهداً بالتأكيد يتحمله ولي الامر ، فممارسة الغش أمام الطلبة الناشئة " عينك عينك "، خلال التعليم عن بعد، يجعل من الغش قيمة إيجابية لديهم، وهذا ينعكس على تنشئتهم الاجتماعية ما يؤثر بالمطلق على تشكيل شخصية الطالب ، حيث يترسخ في ذهنه وثقافته أن آلية الغش هي المسلك الصحيح للحصول على مبتغاه في كل مناحي الحياة وشؤونها ، ما يجعلها تصبح خاصية من خواص الذات، التي ستحدد مجرى حياته اجتماعياً وأخلاقياً وإنسانياً ، فالمثل الأعلى للطالب هم اهله وذووه ، وبسبب الممارسات الخاطئة في «تغشيشه» من قبل أحد الوالدين، سيسهم في تكريس قيمة الغش ، ما يجعلها تبدو وكأنها حق مكتسب ، وهنا لا بد من التنويه ان الغش ليس نتاج التعليم عن بعد فقط، بل هو نتاج لثقافة مجتمعية نتجت عنها سلبيات عدة ، ما يجعل من أسلوب التعليم الحالي عاملاً قد يكون مساعداً في انتشار القيم غير الحميدة ، لذلك فانا اعتقد أن أسلوب التعليم التفاعلي مع فتح الكاميرات ان امكن من قبل المعلم والطلبة هو السبيل الأمثل لمحاربة هذه الظاهرة ، وتحقق هدف التعليم الرئيس وهو اكتساب المهارات والمعرفة، والابتعاد عن ثقافة " الشهادة والنجاح هو المهم"
اننا نحتاج خلال هذه الفترة الى نسج طرق فعالة للتواصل مع الطلبة ، والإجابة عن استفساراتهم ، والرد على تساؤلاتهم، ما يزيد من قوة العلاقة بين الطالب والمعلم ، وبما يقلل من دافعية الطالب للغش ، فمن الاهميه بمكان وضع الضوابط الكفيه بانجاح عملية التقويم بصيغته الحالية ، لأننا مضطرين للذهاب لمثل هذا النوع منه بفعل تأثير الجائحة ، لكننا يمكن ان نعمل على الحد من انتشار ظاهرة التحاليل والغش من خلال تذكير الطلبة على الدوام بالأمانة الأكاديمية ، والبدء بإعطاء الامتحان عبر المنصة لجميع الطلبة في نفس الوقت ، وهذا يحد من إمكانية نقل الأسئلة أو الحلول للطلبة الذين يقدمون الامتحان لاحقاً ، اضافة لتحديد وقت مناسب ومنصف للامتحان، بحيث يستطيع الطلبة الإجابة دون ضغط عامل الوقت ، وألا يعطى متسع من الوقت بحيث يسمح للطلبة القيام بعمليات غش على نطاق واسع ، واستخدام أسئلة عشوائية من بنك أسئلة، بحيث تظهر أسئلة مختلفة عند كل طالب، مع مراعاة مستوى الأسئلة ، ويتم ذلك بأخذ الأسئلة من بنك تصنف فيه الأسئلة في فئات حسب مستوى صعوبتها ، وكذلك اعتماد نمط الأسئلة الحسابية متغيرة الجواب ، التي تأخذ مدخلاتها من مصفوفات من القيم ، ما يعني ظهور أسئلة متشابهة بأجوبة مختلفة عند الطلبة ، اضافة الى التنوع في نمط الأسئلة، بحيث تقيس أسئلة الامتحان مهارات ذات مستوى عالٍ مثل التحليل والتركيب والاستنباط، والتقليل من استخدام الأسئلة التي تقيس مهارات ذات مستوى منخفض مثل أسئلة التذكر والصح والخطأ وغيرها ، اضافة ايضاً لإعطاء امتحانات كثيرة بأوزان قليلة تقلل الدافعية لدى الطلبة للغش ، خاصة إذا كان الغش يتم عن طريق الاستعانة بمن لديهم الخبرة أو مقابل دفع المال.
أخيراً وان اطلت كثيرا ، وذلك لأهمية الموضوع ، يجب علينا أن نتذكر أن الضغط على الطلبة يساعدهم في اللجوء إلى الغش ، وأنصح باعتماد قاعدة العلامات النسبية، أي قياس أداء الطلبة بالنسبة لبعض ، بحيث تعتمد أعلى علامة حصل عليها طالب في الامتحان كعلامة عظمى أو قريبة من العظمى في حدود ١٠%. وتقاس باقي علامات الطلبة بناءً على ذلك.
وفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى ووفق ابناءنا الطلبة لما فيه الخير لهم ولمستقبلهم الدراسي ، ووفق السيدات والسادة اولياء الامور الكرام لما فيه تعاون الجميع في هذه الفترة العصيبة، ولا ننسى الكوادر التّربوية على اختلاف مواقعها التي تعمل ليل نهار من أجل انجاح العمل بكل تفاصيلة وتعقيداته وصولا لتحقيق الغايات المنشودة.
والله الي التوفيق