لم تكن القضايا التي أثارها وزير الزراعة في لقائه مع التلفزيون الأردني الجمعة الماضية صادمة للمشاهد فالكل يعرفها تماما والمزارع يعايشها منذ عقدين أو أكثر. الجديد في اللقاء ان يخرج وزير لقطاع إنتاجي ويعبر عن احباطه وانزعاجه وتعاطفه مع المزارع الأردني ويتناول بكثير من الصراحة حالة الضعف في التنسيق والتكافل بين المؤسسات.
الجديد في اللقاء انه يأتي بعد سيل من التصريحات حول عزم الأردن العمل باتجاه التحول الى مركز اقليمي للأمن الغذائي وبعد توجيهات ملكية متكررة للحكومات بالعمل على دعم الزراعة وتطوير قدراتنا للاعتماد على الذات. في حديث الوزير الذي الحت عليه مضيفة البرنامج بالسؤال حول ما تقدمه أو تنوي أن تقدمه الوزارة للمزارعين تكرارا لمصطلحات الانعاش والإسعاف والاحتضار. فهناك شكوى من ارتفاع الرسوم والضرائب وانهيار الأسعار ووجود من لا يتفهم أو يتعاطف مع أوضاع ومعاناة المزارعين.
الغريب في المشهد أن معاليه أشار إلى أنه يحظى بدعم الرئيس والحكومة وانه أثار الموضوع فما المشكلة بعد ذلك؟ لا يبدو أن هناك مشكلة إذا كان لدى الحكومة إستراتيجية واضحة لإدارة وتوجيه قطاع الزراعة وتطويره خصوصا إذا وقف معالي الوزير ومن خلفه الرئيس وراء هذه الإستراتيجية. المشكلة الحقيقية كما أظن اننا نحاول حل مشكلات وأزمات تتوالد بمتوالية أسرع من قدرتنا على الاستجابة وطاقتنا لتحمل التشابك والتداخلات الموجودة.
في الوجدان الشعبي الأردني وفي العرف العالمي تأتي الدولة بالحكومة والوزراء ليعرفوا التحديات ويضعوا لها الحلول وينفذوا هذه الحلول مستخدمين السلطات الممنوحة لهم بالدستور والقانون لا ليعبروا عن احباطهم وتعاطفهم مع معاناة الناس. فالأصل ان الوزراء يملكون سلطات القانون ويديرون خطة إنفاق من موازنة تم جمع أموالها من الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن، فيحلون المشاكل ويخففون من معاناة القطاعات.
لا يوجد لدي شك أن الوزير يحاول أن يحقق إنجازا سريعا في هذا القطاع لكن الظروف والتعقيدات والموروث قد لا يسمح لمعاليه أو لغيره تجاوز التعقيدات والتقاطعات التي أصبحت جزءا أساسيا من المشهد. حديث معالي الوزير عن أسعار الناقل الوطني وادوار الاستثمار والعمل والمالية وغيرها مؤشرات على حجم التداخل والتشابك الذي يحتاج إلى تحليل وتفكيك ليتيسر للقطاعات العمل والتطوير دون ضغوط ومعوقات.
حاجات الزراعة التي يتحدث عنها الوزير لا تقف عند حصولها على إسعاف وتدخل أسوة بما حصلت عليه قطاعات السياحة والصناعة وعمال المياومة بل تتعداها إلى رؤية جديدة تعرف الزراعة كنشاط اقتصادي ثقافي تربوي يرتبط بأخلاق وهوية وتراث الأردنيين وتوجيه وتوفير دعم لهذا النشاط بعد تحرير القطاع من العمالة الاجنبية التي هيمنت على ما تبقى منه. تطوير الزراعة واعتبارها مدخلا للأمن الغذائي لا يقتصر على توفير وسائل نقل للتصدير أو أسواق جديدة على أهمية كل ذلك بل يتطلب إعداد رزنامة إنتاجية وحماية المنتجات الأردنية وتنويعها وتوجيه النشاط الزراعي لإنتاج السلع الغذائية الإستراتيجية التي كانت أساس غذائنا قبل أن تغمرنا الهدايا الأميركية والكندية بأكياس الطحين الأبيض.
المزارع الأردني اليوم يبحث عن بذار جيد وتراكتور يمكنه من حراثة الأرض ويبحث عن مرشدين زراعيين اكفياء وأسواق تستوعب المنتجات وصناعات غذائية متطورة ووقف لاستيراد اللحوم الرومانية والبرازيلية والاسترالية. صحيح ان لدينا بيضا وفيرا لكننا بحاجة الى جمعيات تعاونية تشبه التي كانت في الستينيات وليست كالجمعيات التي يتطلع اعضاؤها ليصبحوا نوابا ورؤساء بلديات ومخاتير.
الغد