في حياتي لا أتذكر حالة من الرعب والهلع في العالم كما أحدث فيروس كورونا ربما لأننا لم نعش زمن الاوبئة، لم نعرف ماذا فعل الطاعون مثلاً؟ وأكثر ما نخشاه مرض السرطان الذي لا يجرؤ البعض على ذكر اسمه خوفاً وتشاؤماً.
سيحفظ التاريخ أن فيروس كورونا غيّر العالم أكثر من الحروب وحتى المجاعات وحين أعلن عن الفيروس في الصين كان الاعتقاد أنه حالة عابرة وأن أزمة أضراره ستظل محدودة وعلى الصين أن تقلع شوكها بيديها، واشتعلت سجلات ذات طبيعية سياسية تكتنفها نظرية المؤامرة ومفادها أن هذا الفيروس "مُصنع" وجزء من صراع الدول العظمى أو أنه اختراع جرثومي ولا ينفصل عن سباق تطوير أسلحة جرثومية تقترب من مسلسلات الأكشن التي نشاهدها في هوليوود.
نظرية المؤامرة سقطت سريعاً والفيروس خرج من أسوار الصين وأصبح الناس يعيشون في المنازل تفادياً للعدوى من فيروس كورونا الذي يعتبر كابوس حل بالبشرية الفيروس بدأ بالصين، واستقر بها لبضعة أشهر ثم قرر العبور الى أرجاء العالم إنه فيروس خطير وشرير ينتقل من شخص لآخر عن طريق اللمس أو الهواء، بعدما أصاب مدينة ووهان الصينية وأعلن الحجر الصحي بها وعزلت عن بقية المدن الصينية كان العالم يقف موقف المتفرج لا يعبأ بما يقع هناك وكأن الأمر لا يعنيه.
أصبح الفيروس عابراً للجغرافيا ومتحدياً الدول وجبروتها فعندما تمكن من هذا البلد قرر القيام بجولة سياحية في وقت منعت كل الأنشطة السياحية فأبى كورونا إلا أن يكون هو السائح الوحيد غير المرغوب فيه سافر الداء بشكل ملفت فانتشر الداء والوباء انتشار النار في الهشيم واجتاح جميع بلدان العالم ليلتهم الكثير من الأشخاص فأصاب الملايين وأخذ أرواح الكثيرين وقتل أكثر من مائة ألف من النساء والرجال والولدان.
" إنه العدل الكوروني الذي لا يميز بين لون ولا عرق ولا وطن".
والمخاوف في ظل سياسة التكتم وغياب الشفافية والإفصاح وضعف الإدارة الصحية والطبية أن يفاجئ العالم بأعداد مهولة من المصابين في الكثير من الدول وإذا كانت الدول المتقدمة علمياً تواجه تحديات غير مسبوقة في التعامل مع جائحة كورونا، فما هو حال الدول الفقيرة وماذا ستفعل الدول الهشة؟
تبدو المدن في زمن الكورونا مدن أشباح يخلو الشارع من الحركة، ولزم الناس البيوت، وخرج من عنده ضرورة ملحة؛ إنها حياة جديدة غير مألوفة ولا معروفة فرضتها ظروف محفوفة بالمخاطر والخسائر لا تمس العمران لكنها تمرض الأبدان بل قد تفتك بها لتجعلها في خبر كان.
نستيقظ في الصباح على واقع غير متاح في مدن كانت تعمها الضوضاء، عم السكون والهدوء في كل مكان وأصبح الزمان يطول ليس كما كان أصبحنا نتنفس هواء نقياً من السماء وندعو رب السماء أن يذهب عنا البلاء والوباء ونتناول وجبة الصباح مجتمعين بعدما كان كل واحد يتناول وجبة الفطور بمفرده.
وبعد مضي سويعات تأتي وجبة الغداء ولا حديث في الشاشات إلا عن مستجدات الوباء وما أعداد الحالات التي سُجلت في اليوم ولا يخلو اجتماعنا من حديث مكثر عن هذا البلاء.
يبحث كل منا عن عمل يقوم به داخل البيت لقضاء الزمن الطويل ويقصر المسافات ويسرح في السفر في المخيلات بعدما تعذر السير في الطرقات.
إنه نمط حياة جديد لم يخطر على البال ولم يضرب له أحد حسباناً حكم على الجميع بالبقاء وراء الجدران إذا أرادوا السلامة جميعاً.
رب ضارة نافعة، فقد أتاح للأسر المحادثات ومعرفة الهوايات والانشغالات والاستفادة من عالم التقنيات الذي كان مجرد وسيلة لضياع الساعات ومشاهدة الآفات والعثرات.
إنه فرصة ذهبية لتكوين الذات من خلال التسلح بسلاح العلم والمعرفة ومحاربة الجهل والتخلف، إنه مناسبة لكشف الزلات وتحقيق المنجزات في كل المجالات رغم كل الظروف والآفات.
تغمرنا وسائل الإعلام يومياً بنصائح وتوصيات من شأنها الحفاظ على صحتنا في ظل الانتشار السريع لفيروس كورونا المستجد.
ومع دوام تلك الحال دون معرفة موعد محدد لعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل كورونا، تزداد الضغوطات ويعاني الكثيرون من عدم القدرة على التكيف مع الظروف الراهنة، فما يطلبه منا المختصون ومسؤولو الصحة من ضرورة " التباعد الاجتماعي " ليس الأمر سهلاً ؛ لأنه يتنافى مع الطبيعة البشرية فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي.
وفي الأردن حيثُ أعيش، منذ تسجيل أول حالة كورونا بالمملكة قبل عدة شهور وما تبعها من حالات عديدة، قاموا باجراءات وقائية كان أهمها الحظر وإعلان حالة الطوارئ وصدور قوانين الدفاع فإن الدولة أثبتت نجاحاً في إدارة الأزمة والإصابات في البداية لم تتجاوز 50 حالة والحكومة بحنكة تعاملها مع المشكله استعادت ثقة الشارع واستطاع الأردن البلد الصغير بموارده أن يُلفت انتباه العالم باحترام الكرامة الإنسانية حين قرر حجر أكثر من 5 ألاف شخص أردني وغير أردني عادوا من السفر في فنادق 5 نجوم مؤمنة فيها كل خدمات الرعاية.
المعركة لم تنته ولكن اعتاد المواطنون على ذلك تدريجياً بالرغم من آمالهم المستمرة بعودة شكل الحياة الى ما قبل كورونا.
وفي الختام اسأل الله العظيم أن يرفع عنا هذا البلاء وأن يكشف عنا الغمة وأن يفرج كربنا وأن يحفظنا بحفظه ويرحمنا برحمته.