صحيح ان فكرة الدولة هي فكرة مجردة توافقية غير محسوسة، تقوم على وضع الاطار الناظم للعلاقات المجتمعية وبناء مؤسسات تنظم الاداء العام لكنها لا تقوده، كما الفكرة الوطنية هي فكرة تشاركية غير ملموسة تغذي شعور الفرد بفكرة الدولة وطبيعة تكوينها، لكنها تلتقي في مسارات مشتركة واحدة تقوم على تحويل هذه الافكار الى نماذج عمل تعرف بنهج المواطنة، من على نمطية معيشية تستند الى قواعد تعرف بفلسفة العموم في التعايش المشترك واحترام الضوابط الناظمة والاعراف التي تم الاتفاق عليها.
وهو النهج الذي بدوره يعمل على قيادة الاتجاه العام من على ارضية مشتركة تقوم على تحويل الافكار المجردة الى مناهج معرفية وموضوعية، بحيث يتم تحويل حركة المجتمع وتحركات افراده من الحالة البدائية في العيش المشترك الى حالة من التعايش الاهلي التي تقوم على الاعتراف بالنظام ومرجعية مؤسساته والعمل بروح القانون ونصوصه واحترام سيادته وانظمته وتعليماته وتعظيم دور الفرد ومكانته والارتقاء به من مكانة حامل عضوية دولة الى منزلة الشريك المواطن في بناء دولة المواطنة من على مسؤولية مشتركة اساسها المواطنة يتفق حول قيمها الجميع كونها باب العدالة وتكافوء الفرص وباب الحرية المسؤولة والديموقراطية التعددية التي تحترم الراي الاخر ولا تقصيه ويتم معها الارتقاء بالشعور الوطني الجامع بعيدا عن اية اسقاطات تاريخية تعيد دوران الماضي بدلا من تقديم حالة جديدة ترتقي بها ومعها قيم الانتماء للوطن والولاء للدولة وفق هوية جامعة، تقود لنهضة تنموية في المسار الديموقراطي وتعمل على مجابهة التحديات الاقتصادية والمعيشية.
ومع كل احترامي للاغريق اصحاب الفكرة الديموقراطية باتخاذ القرار الا ان النمل كان قد سبقهم بتشكيل نهجها ولم يجتهد بالاضافة عليها وباتت مستقرا يمتاز النمل بها عن غيره من المجتمعات في نظرية بناء الدولة، وكل تقديري للانجليز اصحاب نظرية الملكية الطبقية في الحكم الموجود نموذجها في مملكة النحل ذات التعايش الطبقي المحكوم بضوابط جينية التي كان يراد اسقاطها على حكومة العالم وحكمه، فان الانسان اصبح بحاجة الى آفاق اوسع وارضية عمل اكبر في ظل تراجع مفهوم السيادة بين الدول الى حد كبير لصالح التعاون المشترك وتنامي الحالة التشاركية المعرفية والانتاجية وغدت مسألة الامن العالمي تبدأ من باب السلم الاهلي، فان نماذج النمل والنحل باتت بحاجة الى مراجعة جدية تعيد للانسانية قيمها التي ميزتها وامتازت بها عن سائر المخلوقات وتعيد للبشرية مبادئها التي فطرت عليها وتميزت بها عن عالم الحشرات.
(الدستور)