رسالة ايثار لكافة المعنيين بالتربية والتعليم
فيصل تايه
17-12-2020 12:02 PM
دعوني اقولها بكل صراحة ، كان الله في عون وزارة التربية والتعليم ومن يتولى سدتها ورأس هرمها ، والتي عانت وتعاني ومنذ سنوات من الانهاك والتعب والارهاق ، وكأن ما حلّ بها ما هي الا نتيجة لسياسة ممنهجة خضعت لاهواء ومزاجيات اشخاص تولوا زمام امورها في مرحلة كانت تحتاج للاخيار من ابناء تكوينها التربوي العتيد ، حيث وللاسف كانت قد اخليت من كوادرها الحقيقية الفاعلة بسبب حجم "الترويحات" التي واجهتها ومنذ فترة ليس بالوجيزة ، فكم يعزّ علينا نحن الذين كنا ابناء هذه الوزارة العتيده ورجالاتها ما وصلت اليه -ونحن الذين قضينا العمر فيها- ان نجد انفسنا امام واقع مرير في وزارة لاقت من العبث الكثير ، وضمن بيئة تربوية اصبحت طاردة للكفاءات والعمل الجاد ، بيئة مهبطة للعزيمة وقاتلة للابداع ، بيئة كانت قد افرغت من مضمونها الحقيقي ، تلك الوزارة التي كانت على مدار عمر منظومتنا التعليمية والتي هي من عمر الاردن يشهد لها بالبنان ، وتزخر بالفاعلين التربويين المبدعين المتميزين بعطاء نوعي متفرد ، وتأثير كارزمي له وَقعه في نفوس العاملين ، في بيئة امتلكت مساحات للمهام العملية الفاعله ، حيث يفرض منسوبوها التقدير ، وحيث يستنهض العاملون بها الطاقات الكامنة فيمن حولهم ، لينتزعوا ولا يتسولوا كل وقت وكل حين الاعتراف بعظمة الجهد المبذول الذي نحتاجه .
لقد افتقدنا هذا النوع المؤثر من رجالات التربية والتعليم ، الذين كانوا حيثما حطوا أو حلّوا ، يجذّرون حب الوطن ، ويقدّسون العمل ، ويرسخون إيثار الإخلاص والتفاني ، وينشرون قيم الوفاء والتعاون ، ويجعلون المكان يموج حركة ، وينتشي حبوراً ، ويشع ألقاً ، فهم من طبعوا في اي موقع وظيفي شغلوه بصمتهم الخاصة ، وإن غادروه ، فقد سبقتهم السمعة العاطرة التي مهدت للنجاح العملي الفاعل، والعطاء الميداني المكين ، حيث كان تحركهم مدروس ، وخطواتهم تزحف بعناية ومهارة دون قفز أو شطح أو تمظهر أو تمييز بين ألوان الطيف ، الكل أمامهم سواسية ، والتحفيز لديهم بقدر التميز في العطاء ، والإخلاص في التنفيذ ، فهذا النوع من الرجال قضوا حياتهم بانتظار الأفضل الذي حسبوه لم يأتِ بعد ، رغم أن كثيراً من التفاصيل التي عاشوها مستهم بشكل مباشر لكنها اخذت مسار آخر بفعل من لا يعرفون فعل الرجال .
ان كثيراً من الكوادر الفاعلة في وزارة التربية والتعليم ، لم يكن امامهم سوى "الهروب" إلى التقاعد خاصة مع قرار مجلس الوزاراء الاختياري في نهاية العام الماضي ، والذي خشينا أن يأخذ صفة "التطفيش" للكثير من الكفاءات العاملة في أجهزة الدولة ، حيث سعت الحكومة ووفق القرار لتقديم مكافآت مجزية لمن يتقاعد بهدف التشجيع على التقاعد ، فكانت الفرصة الثمينة لتلك العقول المبدعة التي كانت وستبقى طاقة حرة متجددة لم تشأ في كل الظروف والاحوال ان تستسلم للمعايير الجائره أو الاحباط أو الاستخفاف بها من قبل العقول البليدة التي كانت تتسيد وزارة التربية والتعليم ، والتي كانت تهوى تلك الممارسات بل وتمادت في تفاقمها ، وبسبب ذلك تشكلت الإرادة الجامحة لدى تلك الشخصيات المبدعة المعطاءة "للهرب" من البيئة الموبوءة للبحث عن ذاتها في مناخات تحتفي بها وتنميها ولو إلى خارج نطاق الوظيفة العامة أو جسم وزارة التربية والتعليم التي اخلصت فيها وبها إلى آخر رمق ..
نعم .. وزارة التربية والتعليم بحاجة جادة لهؤلاء الرجال ممن عاهدوا الله والوطن واقسموا على حفظ الرساله وصون الامانه ، رجال يعيدون لوزارة التربية والتعليم هيبتها التي ضاعت مع تزاحم التداخلات العبثية ، رجال يقفون على الاداء الفني والاداري لجهاز يتعطش لهم كل حين ، رجال امدوا يدهم من أجل الارتقاء بمستوى المخرجات التعليمية والتحصيل العلمي وتنمية المعلومات والمعارف والمهارات والخبرات المكتسبة ، بالإضافة إلى تعديل السلوك والاتجاهات نحو بناء منظومة القيم والأخلاق والعادات والتقاليد في المجتمع التربوي ، بعيدا عن التصدعات التي استدعت وتستدعي مراجعة دورية لمنظومتنا التربوية بدقة وعناية والوقوف على آليات التنفيذ وأساليب وطرق التدريس والوسائل التعليمية و الإشراف والمتابعة ونظام التقويم ودرجة ملائمة المشاريع التعليمية والأنشطة الصفية واللاصفية والتأكد من قدرة ذلك كله من المساهمة الفاعلة في رفع مستوى التحصيل الدراسي وغرس القيم والأخلاق والاتجاهات الايجابية في المدارس.
لقد حُمّلت وزارة التربية والتعليم أمانة أجيال ومستقبل الأردن وكل ذلك توقف على نوعية المخرج الذي يجب ايلائه الكثير من الاهتمام والرعاية ، واستثمار كل الطاقات والإمكانات المتاحة لتحسين جودة المنتج لتحقيق الرضا المنشود والسعي بكل جدية وشفافية للتحسين المستمر و استكمال النواقص وتوفير المستلزمات التربوية الهامة وتوضيح الصورة الحقيقية والفعلية للواقع التربوي ومتطلباته ، والعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق أهداف العملية التعليمية التعلميه،وكذلك حصر العوائق والمشاكل التي يعاني منها الميدان التربوي ليتم جدولتها حسب الأولويات وتكثف الجهود من كل المعنيين بالشأن التربوي ومن له علاقة بهذا القطاع لتذليل كل هذا الصعوبات وتجاوزها ، والاستعداد لتقبل النقد وسماع الرأي الآخر وليس هذا فحسب وإنما إيجاد آليات وأرضية مشتركة تتيح المجال لسماع كل الآراء بكل شفافية ووضوح سعيا لتحقيق التميز التعليمي ،وتحقق الالتزام المبني على المراقبة الذاتية والمحاسبة الشخصية وإذكاء روح المنافسة الشريفة على مستوى الوزارة من خلال وضع آليات ومعايير وأهداف نعمل لأجلها.
وأخيرا فاننا ومع ما نمر به ونواجهه من ازمات متلاحقة بفعل الجائحة اللعينة ، ذلك ليس الا مزيدا من تعقد الأزمات ، ومعها ستقتل أحلامنا ، وستبقى مشاكلنا البسيطة معقودة بأزمات معقدة وكبيرة على مستوى العمل والحياة الصعبة والقرارات المصيرية ، وحين كان البحث عن الفكرة الجيدة كانت تجهض بالتنفيذ السيء والتسطيح والمصادرة لمغزاها ومعناها وتنتهك بالحسابات الضيقة بتداخلات اقوى من الوزير والوزارة ، لتغدو الإصلاحات في قطاعنا التربوي مجرد محسوبيات واسترضاءات ومغالطات للواقع في الميدان ولتصبح فاقدة القيمة والأثر ، لذلك فاننا نطالب باعادة النظر باعضاء مجلس التربية والتعليم ، وتشكيل مجلس استشاري مرجعي من كبار موظفي وزارة التربية والتعليم الذين كانوا قد احيلوا على التقاعد ليكونوا السند والعضد والمرجع والمشورة لتقديم النصح والإرشاد ، وعنوانا للمناجاة الحقيقية في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها ، وكذالك حفاظاً على كياننا التربوي العتيد وارثنا التعليمي المشهود له ، ولنستعيد ثقة المجتمع الأردني بمنظومتنا التربوية التي فقدت هيبتها في ظروف معروفة لم نشأ التطرق لها ، والتي كانت مفخرة للجميع ، وهي الافضل على مستوى دول المنطقة ..
وفقنا الله جميعاً من اجل الوصول لاهدافنا التربوية النبيلة وبلوغ غاياتنا التربوية المنشودة خدمة لقطاعنا التربوي العتيد في ظل راعي الركب وقائد المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ، ولتبقى رايتنا الهاشمية خفاقة ابد الدهر ..
.. والله المستعان