الارقام التي اعلنتها هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي مؤخرا عن اعتماد اعضاء هيئات التدريس في الجامعات الاردنية الرسمية والخاصة التي تبلغ 29 جامعة, تثير اشد القلق حول الواقع الذي يسود التعليم الجامعي, والذي يعاني من خلل هيكلي في العجز والزيادة على السواء, ففي الوقت الذي يصل النقص بين الاساتذة الجامعيين الى 2394 في تخصصات تطرحها 11 كلية في غالبيتها هندسية وطبية وادارة اعمال وتكنولوجيا, هناك زيادة في المقابل مجموعها 694 من هؤلاء يتركزون في كليات الاداب من مختلف الرتب الاكاديمية.!
كان الاعتقاد الى وقت قريب ان ما تحتاج اليه الجامعات من اعضاء الهيئات التدريسية, لا يزيد على المئات التي لا تصل الى رقم الالف, اما ان يكون النقص في مصاف الالاف, فهذا ما يؤشر على ان هناك ازمة حقيقية في التدريس الجامعي, خاصة ان التخصصات التي نعاني من عجز كبير فيها, تتعلق بمواد علمية في غاية الاهمية, مما يثير تساؤلات مشروعة حول مستوى الخريجين, اذا ما كانوا يفتقرون الى الاساتذة المؤهلين لتدريسهم في علوم اساسية لمتطلبات العصر الحديث.!
يبدو ان هناك عوامل رئيسية تسهم في وقوع مثل هذا العجز التدريسي الجامعي الحاد على وجه التقريب, ومنها هذه الهجرة المتواصلة لاعضاء الهيئات التدريسية الى الخارج, نظرا لرواتبهم وامتيازاتهم التي ما تزال متدنية على نحو كبير, وهذا ما يجعل بعضهم يغتنمون اية فرصة مواتية لعملهم في الجامعات العربية والاجنبية, هروبا من واقع يلحون في المطالبة بتطويره وتحسينه ولكن لا حياة لمن تنادي, اذ لا يزال بعض المحظوظين ممن يتخرجون من تحت ايديهم يحصلون على رواتب بالاف الدنانير حتى في القطاع العام نفسه وهم في بدايات عملهم الاولى, وهم يراوحون في رواتب متدنية اجمالا, ولا تعادل مستواهم الاكاديمي وسنوات الخبرة التي امضوها في الخدمة الجامعية.!
عامل اخر لا يقل اهمية ايضا وهو احجام بعض الجامعات الاردنية عن ابتعاث من تحتاج اليهم مستقبلا من اعضاء هيئات تدريسية, لأن ما هو رسمي منها يعاني من عجز مالي متراكم على مدار سنوات مديدة, يقدره المختصون بحوالي مئة مليون دينار, من دون ان يظهر افق لمعالجتة وفق اسس سليمة من قبل الحكومة او الجامعة المعنية نفسها, وهذا ما ينطبق على الجامعات الخاصة التي تبحث عن زيادة الارباح التي يحققها المستثمرون في التعليم العالي مع نهاية كل عام, من دون ان يأخذوا في الاعتبار واجبهم في استقطاب وتأهيل اعضاء هيئة التدريس اللازمين لمختلف التخصصات الجامعية.!
تقول هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي, انها تعتبر ما اعلنته من ارقام فعلية لواقع الهيئات التدريسية في الجامعات الاردنية, بمثابة "خارطة طريق" يمكن ان تهديها الى سواء السبيل, لان المدة الممنوحة لها لاستكمال تطبيق معايير الاعتماد تنتهي مع بداية العام الجامعي 2011-2012م والتي لم يبق منها سوى عام واحد تقريبا, حيث تم منح هذه الجامعات فترة خمس سنوات منذ عام 2007م من اجل تصويب اوضاعها مع معايير الاعتماد المنصوص عليها في قانون الهيئة والانظمة والتعليمات الصادرة بموجبها, ولعل هذه الجامعات لا تضيع طريقها في تجاهل النقص في اساتذتها المختصين, مما يضاعف الازمات التي يعاني منها التعليم العالي برمته.
Hashem.khreisat@gmail.com
عن العرب اليوم.