موائد الأردنيين والأمن الغذائي
د. زيد نوايسة
15-12-2020 12:12 AM
تحدي الأمن الغذائي بات هاجساً عالمياً، جائحة كورونا والاغلاقات التي حدثت لأشهر للمطارات والحدود البرية دقت ناقوس الخطر، الملك عبد الله الثاني من أوائل من نبهوا لضرورة التأسيس لجهد عالمي يواجه هذا التحدي.
قبل أسابيع وفي حديث جلالته عبر الاتصال المرئي في “حوار بورلوغ” الذي نظمته جائزة الغذاء العالمي، دعا لضرورة العمل لتجنب حدوث ازمة غذاء عالمي، معتبراً ان العام 2021 هو عام التحديات الغذائية، مذكراً بأن هناك 690 مليونا يعانون نقص الغذاء و9 ملايين يموتون من سوء التغذية.
اردنياً، وحسب تقرير المراجعة الاستراتيجية لتحقيق هدف التنمية المستدامة والصادر عن المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، يستورد الأردن
98 % من احتياجاته الغذائية بينما تستهلك الزراعة 51 % من مصادره المائية، ومعدل استهلاك الفرد من دخله للغذاء يصل لنسبة 40 % وهي مرتفعة نسبيا.
هناك اكتفاء ذاتي في ثلاثة أصناف غذائية هي الخضار والبيض والحليب بينما نعاني من فقر شديد في مصادر الغذاء الأساسية كالحبوب والبقوليات بواقع 3 % واللحوم الحمراء 18 %، الأسماك تقارب نسبة 36 % والدواجن تصل لنسبة 75 %، وهذه مؤشرات مهمة يجب أن تؤخذ في حسبان راسم الاستراتيجية الزراعية.
كاتب هذه السطور ينتمي لعائلة امتهنت الفلاحة وخاصة زراعة الحبوب (قمح، عدس، حمص، شعير) شأنها في ذلك شأن معظم العائلات في القرى، الزراعة شكلت مصدرا مهما من مصادر دخول الناس في الريف الأردني بل أنها أسست للثراء والبحبوحة الاقتصادية وساهمت في انتاج النخب المتعلمة، صدرنا العدس الأحمر في سبعينيات القرن الماضي من الكرك للبنان ولكن اليوم لا يكاد إنتاج العدس في الكرك يكفي لاحتياجات قرية فيها.
هناك أسباب كثيرة أدت لتراجع الإنتاج الزراعي خاصة في مجال الحبوب والبقوليات ومنها أولا شح المياه، وتغيرات المناخ وتراجع الامطار الموسمية وتناقص المساحات الزراعية وغياب مخطط شمولي يحدد استعمالات الأراضي ويمنع تغول العمران عليها وارتفاع تكاليف الزراعة وتراجع الاهتمام الرسمي بالزراعة كأولوية.
زراعة دونم القمح بدا من تهيئة الأرض؛ الحراثة والبذار والتسميد والرش وصولاً للحصاد تكلف من 35 الى 40 دينارا بينما ينتج في أحسن الأحوال من 100 كغم الى 150 كغم والعائد في أفضل الظروف 50 دينارا ومؤخرا بعد قيام الحكومة السابقة تخفيض أسعار شراء المحاصيل الزراعية بواقع خمسين دينارا للطن الواحد انصرف معظم المزارعين عن زراعة القمح وهو محصول استراتيجي لزراعة الشعير الذي يحتاج مياها اقل وينتج أكثر.
معالي وزير الزراعة الصديق المحترم، طمأننا بأن مائدة الأردنيين لم تخل خلال جائحة كورونا من الخضار والفاكهة وكذلك توافر بيض المائدة بشكل كبير، وهذا امر جيد رغم الافراط في التفاؤل فبيانات وزارة الزراعة تؤكد خلاف ذلك خاصة بالنسبة للفواكه المستوردة في اغلبها بينما غاب عن حديثه أهمية توافر المحاصيل الاستراتيجية كالحبوب والبقوليات.
إمكانية الاهتمام بهذه المحاصيل الاستراتيجية سهلة من خلال دعم سعر البذار وتوفيره ودعم شرائه من المزارعين والاهم توفير الآليات الزراعية الحديثة وتوزيعها على مديريات الزراعة للحراثة والرش بالمجان وبالمناسبة إمكانيات الحصول عليها من المؤسسات الدولية كمنظمة الفاو ومن الصين واليابان كمساعدات سهله جداً وأعتقد أنها أولوية.
لدينا سبب وجيه ان نخاطب العالم لمساعدتنا، ثلث السكان لدينا لاجئون (ثلاثة ملايين لاجئ) 35 % من السكان وبالتالي يمكن الاستفادة من تلقي الدعم المباشر لتطوير الزراعة ونقل التكنولوجيا الحديثة لعلها تساهم في تحسين وضعنا الغذائي نسبياً والعمل بالتعاون مع مصر والعراق على إنجاح تجربة مركز الأمن الغذائي الإقليمي الذي يتبنى فكرته الأردن.
الأمن الغذائي ليس خضارا وفواكه وبيضا فقط بل استراتيجية شاملة تبدأ من وقف الاعتداء على أخصب وأجود أراضينا والنظر للزراعة كقطاع استراتيجي لا يقل أهمية عن الأمن الوطني والتعليم والصحة.
(الغد)