الانفاق الحكومي بين الواقعي والاستثنائي
سامح المحاريق
14-12-2020 06:18 PM
في ظل الواقع الاقتصادي القائم تحضر الجرأة على الانفاق الحكومي لتثير التساؤل، فهل تنتهج الحكومة خطة انعاش اقتصادي غير مباشرة من خلال ضخ السيولة في القطاعات المختلفة، أم أنها تنتهج سياسة أن الغريق فما خوفي من البلل وترحل المشكلة إلى حكومة مقبلة؟
تتعهد الحكومة بإعادة العلاوات للمعلمين مع بداية العام، ومع المعلمين موظفو قطاعات حكومية أخرى، وتجهز المستشفيات الميدانية بصورة لافتة حيث أدى ذلك إلى تهدئة نسب الإشغال في حدود 40% للحالات الحرجة، وتواصل العمل في العديد من المشاريع، وفي المقابل، تدرك الحكومة أن الغلة الضريبية للعام المقبل لن تكون كافية، فهي نتيجة أعمال السنة الجارية، فما الذي يفكر فيه رئيس الحكومة؟
يخرج الرئيس بشر الخصاونة من التفكير المالي الذي اعتنقه الدكتور عمر الرزاز خلال العامين الأخيرين، فالمسألة ليست الحصول على قروض بأسعار أفضل، أو إعادة جدولة هيكل الدين، ويبدو فكره قريباً من فكر وزير المالية الدكتور محمد العسعس، أي البحث عن مزيد من السيولة للسوق، ومحاولة تمرير التزامات حكومية تجاه القطاعات المختلفة، ويريان معاً أن المديونية ليست الأولوية في هذه المرحلة.
الخبراء الاقتصاديون الحاضرون بكثير من التعليقات والقليل من الحلول أطلقوا وصف "غير الواقعي" على بلاغ الموازنة العامة وألقوا الضوء على مسألة العلاوات وخاصة للمعلمين وأفراد الأجهزة الأمنية، مع التعهد بعدم فرض ضرائب اضافية، أي مزيداً من العجز في الموازنة العامة الذي سيمول من الاقتراض الداخلي والخارجي.
أنتمي إلى مدرسة اقتصادية تنظر بارتياح إلى التوسع في الانفاق الحكومي الموجه إلى مشاريع استثمارية بعيدة المدى، ومع ذلك وكأي مواطن أردني، أشعر بكثير من الخيبة والإحباط حين أنظر إلى كثير من المشاريع الوطنية المتعثرة، ولذلك فإن الحاجة ملحة اليوم من أجل التعرف على مزيد من الأفكار التي يحملها رئيس الحكومة بخصوص الملف الاقتصادي، والإعلان عن خططه وخياراته، وهي بالمناسبة كثيرة وكل منها يحتاج فريقاً خاصاً يمتلك الخبرات والصلاحيات اللازمة، فهل يمكن أن يقدم الرئيس ذلك؟
العام القادم سيشهد قمة أخرى مع مصر والعراق، فما الذي سيخلص منها وكيف ستترجم توجهاتها، خاصة أنها عابرة للبيروقراطيات، ويفترض بالأردن أن تبحث عن حصة جديدة من السوق السياحي، فهل الدولة جاهزة لتدفع بالقطاع السياحي لتحمل جزء من المسؤولية لاستجابة شاملة تجذب السائح العربي والأوروبي منخفض القدرة المادية والذي يتوق للسفر من جديد، ومتى ستبدأ المشاريع الزراعية، وكيف سيتم التعامل معها إعلامياً لإقناع الشباب بالمغامرة والمبادرة، ولتأكيد على شفافيتها ورغبتها حقيقة في استثمار الفرصة التي أنتجتها كورونا في مجال الأمن الغذائي حول العالم والطلب الذي سيترتب عليها.
هذه مواضيع اقتصادية ولكن دون وجود الإرادة السياسية وخطط العمل الفرعية والقدرة على التنسيق والمتابعة فإنه غير متوقع أن تثمر عن شيء يذكر، وسيكون لدينا مزيد من الانفاق دون وجود تدابير على المدى البعيد لتنشيط الاقتصاد وتحفيزه، وبذلك يمكن أن تضاف هذه التدابير للأزمات المتتابعة التي لحقت بالأردن منذ 2011 وهي السنة التي شهدت انفلات المديونية إلى حدود غير مسبوقة.
ما هو مطلوب حالياً ليس (الواقعي) من وجهة النظر الاقتصادية، فهو عملياً لن ينفعنا إلا أمام الدائنين، وإذا كان اهتمامنا منصباً على الدائنين فإننا لن نتحرك، والمطلوب والملح والعاجل هو (الاستثنائي)، وكل الأسئلة يجب أن تنصب حول تحقيقه، لا حول اللجوء إلى الواقعي الذي جربناه طويلاً دون فائدة.