بلاط الصحافة، فيه اقلام حبر واقلام رصاص، الاولى تكتب ولا يمحى اثرها ، والثانية ولدت والممحاة فوق رأسها، بلاط الصحافة فيه صحفيون وكتاب وفيه ايضا ناقلو اخبار ممن ينتمون الى حزب "قال واضاف واكد" كسقف للابداع الصحفي. مناسبة هذا الكلام ما يراه المرء هذه الايام من زيادة في عدد منتحلي مهنة الصحافة، فكل من اجرى مقابلة مع مسؤول امسى صحفيا، وكل من يقرأ له عشرة قراء نصفهم من اهله وذويه هو صحفي، وكل من ذهب الى مناسبة رسمية، يظن نفسه امسى مشهورا او معروفا او مطلوبا، منتحلو المهنة نجدهم في صحف يومية واسبوعية وفي مواقع شتى، مما يحز في البال، فالمهنة التي حفرنا فيها الصخر حتى يخرج الماء، بداية من تغطية اصغر ندوة في عمان مرورا بحالة الطقس وصولا الى تغطية مواقع الاحداث الساخنة والحروب ، لم تعد المهنة التي نراها اليوم، فالرؤية التي صاغت البدايات لدى كثيرين، لم تعد ذات الرؤية التي تصوغ شخصيات البعض الصحفية، اذ يكفي قليل من كذب وادعاء ونطنطة هنا وهناك ليعتقد المرء انه بات محترفا ، رغم ان الاحتراف شيء ، ونشر اي خبر من مدرسة "قال واضاف واكد" شيء اخر تماما.
هي دعوة مفتوحة اليوم الى نقابة الصحفيين، المظلة الشرعية لنا ، من اجل مراجعة واقع المهنة، وواقع المنتسبين ، وشروط التسجيل بل والاستمرار، فكل المهن مثل الطب والهندسة والمحاماة لا يستطيع احد اختراقها ولا الادعاء بالانتساب الى هذه المهن ، في حين ان أي مخالفات من جانب المنتسبين تتم متابعتها لاحقا ، واذا كانت النقابة الجسم الشرعي للصحفيين ولها دورها الهام الذي لاينكر ، فان الواجب ان لاينتهي دور النقابة بتسجيل الصحفي او الصحفية ، فالواجب ان تكون هناك مدونة اخلاقية لتصرفات بعض من ينتسب لهذه المهنة ، او من يدعي الانتساب لها.
بلاط الصحافة، مهنة المتاعب ، التي لا يتأسس وجود المرء فيها الا بحسن السمعة اولا والتفوق المهني ايضا ، عليه ان يطرد الدخلاء ، ممن يعتبرون المهنة سببا للوصول وتهديد الاخر او تحقيق المكاسب بوسائل غير اخلاقية ، خصوصا ، انها مهنة تحرق ايضا كل سيئ سمعة وكل من يحاول ان يبني وجوده من حساب سمعته الاخلاقية التي تحترق يوما بعد يوم دون ان يعرف انه يغرق في وحل وطين ، وكل من يحاول ان يجعل المهنة غير المهنة ، فان الحروف طاردته في نهاية المطاف.
فرق كبير اذن بين المحبرين وارباع المحبرين، بين القادة والجند، بين المحترفين والمتسلقين،
بسرعة ومهنة عظيمة كهذه دخل عليها تاريخيا مئات المتسلقين والمتسلقات ، فسقط اغلبهم عن جدارها ذات طعنة او سوء اخلاق او جراء خطأ مهني ، وهي مهنة لا تحتمل كل هذا ولا تقبل في حضنها الا السادة المحترمين فقط.
علينا ان نتوقع اذن دوما مخالفات واخطاء اخلاقية ومهنية خصوصا من الزاحفين الجدد الى بلاط الصحافة ، خصوصا ، ممن يستخدمون في زحفهم غير المقدس ، ادوات غير مهنية ابدا ، ولربما من واجب نقابة الصحفيين والمؤسسات الصحفية ان تتخلص من كل عبء زائد ومن كل من يجلب للمهنة او مؤسسته سوء السمعة او عدم المصداقية ، او قلة الاحتراف ، حتى تبقى المهنة بمنأى عن وجوه السوء التي نراها في غير مكان.