من وسط بلدتي سوف الشامخة غرب جرش سنحت لي فرصة الدراسة في روسيا السوفيتية أول مرة عام 1979, وكنت راغبا بدراسة الصحافة بسبب تفوقي بتواضع في الانشاء. وبقيت مصرا على ذلك رغم أنني تلقيت عرضا روسيا وقتها لدراسة الطب في مدينة فارونيج الجميلة جنوب موسكو العاصمة الاجمل. وعشت حياة الطبقة الواحدة السوفيتية, وانا القادم من طبقة الحراثين, من هنا من الاردن. و شكلت انطباعا راسخا عن المجتمع الروسي و مجتمعات السوفييت , و سياستيهما الداخلية و الخارجية , و عن إعلامهما . و اصبحت رئيسا لاتحاد طلبة الاردن بالانتخاب. وانهيت مرحلة الماجستير الاولى الشاملة وفق النظام التعليمي السوفييتي للبكالوريوس, واحببت اللغة الروسية , و ثقافتها , و ادبها , وتميزت بها. وخدمت بعدها جنديا عسكريا برتبة مكلف في سلك التوجيه المعنوي في قواتنا المسلحة الاردنية الباسلة الجيش العربي , و أعتز بذلك . و عملت في جريدة الدستور الاردنية مندوبا بعد ذلك ,و مراسلا صحفيا في بغداد نهاية الحرب العراقية - الايرانية 1988 لفترة وجيزة . و تمكنت ثانية من الالتحاق بالدكتوراة في الصحافة في جامعة موسكو الحكومية MGY ,و انتهيت منها عام 1992 , و تشكل عندي افقا جديدا عن روسيا الاتحادية في بدايات استقلالها عن السوفييت , ولم انقطع عن زيارتها بحكم المصاهرة. ودخلت سلك التدريس الجامعي في جامعة (البترا) في قسم الاعلام التي بدأت عملها باسم ( البنات ) , ثم امتلكت كلية إعلام رائدة و متميزة . وبدأت الكتابة في الشأن السياسي الروسي محللا عام 2013 . و في عام 2016 كانت البداية لي مع إعداد كتابي الاول "روسيا المعاصرة والعرب".
لقد تحققت لدي تجربة ناجحة مع إشهار كتابي الاول في المركز الثقافي الملكي . وحظي برعاية كريمة من قبل دولة أ.د عدنان بدران مستشار جامعة البترا الاعلى , و سعادة سفير روسيا الاتحادية بعمان وقتها بوريس بولوتين . ورسالة شكر سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين "حفظه الله" بصدور كتابي هذا احدث منصة إنطلاقة عندي لمواصلة التخصص في التحليل السياسي الروسي وسط العرب والعالم خدمة للعلاقات الاردنية - الروسية في كافة المجالات اولا . ورسالة شكر من دولة فيصل الفايز رئيس مجلس الاعيان ايضا .و رسالة شكر من معالي بشر الخصاونة رئيس الحكومة الحالي. ورسالة شكر من سعادة سفير سلطنة عمان خميس الفارسي . وغيره من اصحاب السعادة السفراء . وتدرجت في إستيعاب الدور الروسي في المنطقة و العالم , ووصلت الى درجة الموضوعية . و كلما كتبت و اقتحمت موضوعا في السياسة الروسية , انفتحت افاقي للغوص في أسبار غيره . وكنت أرصد ردود فعل إنساننا البسيط , و المتعلم , و المثقف الاردني , و العربي في الشأن الروسي . والاحظ بداية مدى تأثير الانفتاح الاعلامي علينا , و كيف تأثرنا برسائل الغرب , وكيف كنا نفسر روسيا وسطنا نحن العرب بصورة غير دقيقة , خاصة ما تعلق بفلسطين و قضيتها , وإعتراف الاتحاد السوفييتي بإسرائيل اولا عام 1948 . و أسعدني أن الاتحاد السوفييتي , و روسيا الاتحادية بعد ذلك وازنتا علاقتيهما بين إسرائيل و العرب , ولم يعترفا باحتلالات إسرائيل لبلاد العرب في فلسطين , و الجولان – الهضبة السورية , و في الجنوب اللبناني . و ساندت قيام دولة فلسطين و عاصمتها القدس الشرقية , وفقا لقرارات الشرعية الدولية ( 242 و 338 ) . و نادت بتجميد الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي فوق الاراضي العربية . و أكدو على أهمية إستمرار الوصاية الهاشمية الاردنية على المقدسات في القدس . وكان هاما بالنسبة لي , و لكتاباتي السياسية المتخصصة قيام الاردن بعلاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي عام 1963 في عهد مليكنا الراحل الحسين العظيم طيب الله ثراه ,في الوقت الذي كان فيه نيكيتا خرتشوف زعيما للسوفييت . واسعدني مواصلة جلالة الملك عبد الله الثاني تعزيز مسار العلاقات الاردنية - الروسية , و ترسيخ اواصرها في عهد الرئيس فلاديمير بوتين . وو قفات روسية دبلومسية متجددة لصالح الاردن و العرب عموما, و القضية الفلسطينية في مقدمتها معارضة مشروع إسرائيل الاخير عام 2019 الذي هدف الى ضم الغور الفلسطيني و شمال البحر الميت , المنطقة المحاذية للغور الاردني , رغم وجود معاهدة سلام اردنية – إسرائيلية منذ عام 1994 .
لقد لاحظت تأثر منطقتنا العربية بالاعلام الغربي , و العربي الليبرالي الذي لم يوقف حراكه حتى يومنا هذا . و سوف يبقى مماحكا للحضور و النهوض الروسي , وحتى الصيني ما دامت الحرب الباردة مستمرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1945) , التي انتصر فيها السوفييت على النازية الالمانية بفاتورة من الشهداء وصلت الى 27 مليون شهيد . و سباق التسلح ساري المفعول كذلك .ومثلي هنا هو أن امريكا تطلق على جزر الكوريل ( يابانية ) , و هي التي سيطر عليها السوفييت وقتها في تلك الحرب الدموية بعد مهاجمتهم من قبل اليابان . و تطلق على إقليم القرم الكريم صفة السيادة الاوكرانية , رغم تاريخه الروسي الطويل المعروف منذ عهد الامبراطورة ( يكاتيرينا الثانية ) عام 1783 ,عند إقتناصه من العثمانيين , و بعد إعادة روسيا بوتين له عام 2014 بقوة صناديق إقتراع الاقليم , و بنسبة مئوية بلغت 95 % , بعد إدارة أوكرانيا - بيترو باراشينكا ظهرها السياسي لروسيا التاريخ , و الحاضر, و المستقبل . و رغم مساهة روسيا في توقيع معاهدة ( مينسك ) للسلام الاوكراني غربا و شرقا , و مع روسيا عام 2015 , و لضمان الامن و السلام في ( الدونباس ) جنوب شرق اوكرانيا نفسها . و تطلق امريكا على فلسطين عام 1967 ( إسرائيل ) , و عملت على صياغة ( صفقة قرن ) مشتركة مشئومة معها , بهدف إعاقة مشروع الدولة الفلسطينية , و عاصمتها القدس الشرقية , والذي هو ثابت إستراتيجي فلسطيني و أردني . وخطاب جلالة الملك عبد الله الثاني في البرلمان الاردني بتاريخ 10 كانون اول الجاري خير شاهد . وذهبا اي إسرائيل و امريكا لتلبية الطموح الإسرائيلي المعيق لمسيرة الوصاية الهاشمية التاريخية التي اطلق عنانها ملك العرب و شريفهم الحسين بن علي عام 1924 , لكي تبقى مظلة للمقدسات الاسلامية و المسيحية في القدس حتى يوم قيام الدولة الفلسطينية كاملة السيادة . وعملا معا لتمرير صفقة الغور الفلسطيني- الاردني المشترك الذي تصدى له الفلسطينيون و الاردنيون معا , وكان لجلالة الملك عبد الله الثاني الكلمة الفصل الصارمة حينها . ولاحظت دولا حليفة لامريكا تواصل تأثرها بالدعاية الامريكية – الغربية , و تردد مصطلحاتها , و تعتبرها حقيقة,و أمر و اقع . و في غياب وحدتنا العربية السياسية , و الاقتصادية سبب مباشر لقبولنا نحن العرب بإملاءات الغرب . وان الاوان في المقابل لتشكيل قطب عربي واحد , حسب ما اعتقد , وللأهمية المعاصرة , يوحد كلمتنا , وصورتنا الذهنية امام العالم ,إجتماعيا , و إقتصاديا , و سياسيا, و ثقافيا , و رياضيا . وليبدأ كل واحد منا بالتعريف على نفسه بأنه عربي اولا .
من وسط الاردن و العرب عندما ننظر الى إعلامانا , وإلى إعلام الاقليم , و العالم من حولنا , علينا أن نحدق النظر بالادارة , و السياسة , و التمويل , و الايدولوجيا بداية لكي ندرك كيف يتم التعامل مع قضايانا و دول العالم . وثمة فرق بطبيعة الحال بين من يساندنا ماليا و بسخاء مثل الولايات المتحدة الامريكية , ويشجع إسرائيل علينا ذات الوقت , و يعترف بإحتلالها لإراضينا العربية , ويساهم في صناعة صفقة قرن ( مالية و سياسية ) مرفوضة لاتخدمنا , بقدر ما تهدم ما نخطط نحن العرب لبنائه و العالم من دولة فلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية , و فقا للشرعية الدولية , و تجميد المستوطنات غير الشرعية , ودراسة حق العودة و التعويض , و المحافظة على الوصاية الهاشمية التاريخية . وانعكاسات ذلك على الاعلام العربي , و الاقليمي , و العالمي , ومنه الموجه صوبنا من الخارج ملاحظة . وبين دولة بحجم قطب مثل روسيا الاتحادية تقيم علاقات مع إسرائيل و تعتبرها كما امريكا خطا احمرا , و تساند العرب علنا في قضاياهم الاحتلالية , بهدف دحر الاحتلال الإسرائيلي سياسيا الى حدود الرابع من حزيران , و تدعو لدولة فلسطينية كاملة السيادة تكون عاصمتها القدس الشرقية تماما كما تنص الشرعية الدولية . و تنادي بالمحافظة على الوصاية الهاشمية الاردنية , و ترفض معنا نحن العرب قرار الضم الاسرائيلي للغور الذي فشل . و تؤكد عروبة الجولان – الهضبة السورية . و التوجه الروسي هذا له إنعكاساته وسط الاعلام العالمي , وهو ما اعمل على صياغته بدقة معتمدا على المعلومة الصادقة , و الدليل الدامغ , و الرقم الصحيح , و على الموضوعية في مقالاتي التحليلية السياسية , و في كتبي الصادرة ايضا . ويبقى الطموح العربي منصبا على تأسيس قناة عربية باللغة الروسية , وسبق لصاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال المعظم أن إقترح مشروع القناة هذه في مؤتمر خريجي روسيا و الاتحاد السوفييتي السابق في مدينة مادبا عام 2013 .
لقد جاء كتابي الثاني هذا العام 2020 بعنوان " الرهاب الروسي غير المبرر " وحمل عنوانا جدليا لم يكن من السهل تفسيره و فهمه بسهولة لدى بعض المسؤولين في بلدي , ووسط عامة الناس , وحتى عند الجانب الروسي ايضا في البداية . وما قصدته من مصطلح " الرهاب " و بنوايا طيبة , و الذي هو عربي فصيح لم يعني " الارهاب " لا سمح الله وقدر . و ثبته بالانجليزية في صدر غلاف الكتاب " Unjustified Russophobia " عن قصد , وعنى التخوف العميق , وهو ما اوردته في مقدمة الكتاب مرتكزا على معجم المعاني الجامع عربي - عربي . وفي قاموس المعاني قاموس عربي - إنجليزي " phobism " . وهدف الى مواجهة الرهاب الروسي غير المبرر , وغير المنطقي( Russophopia ) وسط العرب و العالم . وقناعتي هذه لم تأتي من فراغ , بحكم إطلاعي على العقلية السياسية , و العسكرية , و الاقتصادية , و الاجتماعية , و الثقافية الروسية عن قرب ميدانيا , و عبر اللغة الروسية مباشرة , وعبر الاعلام الروسي واسع التنوع في القطاعين العام و الخاص .
يسعدني هنا أن الفت الانتباه مجددا لما كتبه المرحوم كامل ابو جابر وزير خارجيتنا الاسبق في تقدمة كتابي , حيث كتب قائلا : ( يكتب الدكتور حسام العتوم من القلب و العقل معا , ومن داخل دهاليز السياسة الروسية داخليا و خارجيا .. الكتاب في روحه و مجمله دفاع عن القضية الفلسطينية بالدرجة الاولى , وعن الموقف الروسي المعتدل و الداعم لجهد الاردن و فلسطين , ويركز على دور روسيا في تفادي حرب عالمية ثالثة , وبأن روسيا من اكثر أقطاب العالم تمسكا بالقانون الدولي , و باوراق الأمم المتحدة , و مجلس الأمن , ومحكمة الجنايات الكبرى في لاهاي ...). وفي المقابل حظي الكتاب بإهتمام معالي السيد يوسف العيسوي , رئيس الديوان الملكي العامر . و تمت الموافقة مبدئيا وقتها على أن يرعى حفل الكتاب في مسرح أنباط كلية الاعلام في جامعة البترا , صاحب السمو الملكي ألامير الحسين بن عبدالله ولي العهد المعظم, لكن جائحة كورونا أعاقت إنعقاد الحفل . و أسعدني إهتمام أصحاب الدولة الذوات الكرام بصدور كتابي هذا عبر مكالمات هاتفية مقدرة , وهم : ( زيد الرفاعي , و سمير الرفاعي , و عبد الرؤوف الروابدة , و عبد الله النسور ) ,و اهتمام دولة نادر الذهبي به أيضا عبر إرساله مركبة خاصة لجلب نسخة من الكتاب المهداة له . وإهتمام بالكتاب ايضا من قبل دولة طاهر المصري , و سؤاله لي مباشرة عن معنى كلمة الرهاب . و إهتمام خاص بالكتاب من قبل دولة أ.د عدنان بدران الذي استقبلني في مكتبه بخصوصه. ورسالة شكر من سعادة رئيس جامعة البترا الدكتور مروان المولا . واستقبال لي من قبل سعادة السفير الروسي بعمان السيد غليب ديسياتنيكوف في مكتبه في مبنى السفارة الروسية بشأن كتابي هذا .
بتواضع اقولها هنا , بأن قائمة الشخصيات الاردنية السياسية , و الاكاديمية , و المثقفة رفيعة المستوى التي اهتمت بكتابي الاخير هذا طويلة يصعب ذكرها كلها . و اذكر منهم كمثال اصحاب المعالي ( أ.د ابراهيم الجازي , و أمجد العضايلة ,و د. نانسي باكير, و محمد داودية , و سميح المعايطة,والباشا سميح بينو , و سميح خريس, ومازن الساكت , و سميح المعايطة ,و مفلح الرحيمي ) و رئيسي جامعتي العقبة للتكنولوجيا (أ.د محمد درويش ) , و معان ( أ.د عاطف الخرابشة ) , و( أ.د أحمد مجدوبة نائب الرئيس . و أ.د رجائي الخانجي و أ.د مجد الدين خمش من الجامعة الاردنية ) , و د. خلف الطاهات عميد إعلام جامعة اليرموك , و غيرهم من الاساتذة الأجلاء . و إهتمام شبيه من قبل مواطنينا , ومنهم من عاتب و لازال لعدم تمكني من تقريب كتابي منه . وفي إحدى المحال التجارية الكبيرة بعمان لازال الاكثر مبيعا , و مؤسسات ووزارات حكومية طلبت أعدادا لا بأس بها منه . ولم اقصد يوما تحقيق أرباح مادية منه . و أسعدني إهتمام جمعية العلوم السياسية في الجامعة الاردنية برئاسة أ.د محمد مصالحة بالكتاب ,و دعوتي لمناقشته بحضور جمع من أساتذة العلوم السياسية . و دعوة مماثلة جميلة من نادي خريجي روسيا و الاتحاد السوفييتي السابق ( إبن سينا ) برئاسة المهندس سلام طوال , لمحاورة عدد جيد من الخريجين بمضمون الكتاب . وموافقة على ندوة له من قبل مدير مركز العلوم و الثقافة الروسي بعمان السيد الكسي فاليريفيج جمدتها جائحة كورونا الثانية . و الكاتب الصحفي الصديق اسعد العزوني خص الكتابين بمقالتين متتاليتين جميلتين أعتز بهما , و المستقبل واعد بعون الله .
ألكتاب الجديد ( الرهاب الروسي غير المبرر ) في مجمله امتداد لمضمون كتابي الاول ( روسيا المعاصرة و العرب ) , مع إختلاف العنوان , واهتمام لقناة التغيير العراقية بعمان بالموضوع الروسي و الكتاب ,واستضافة مقدرة لي من قبل قناة المملكة حول مشاركة جلالة الملك عبد الله الثاني لمؤتمر (فالداي ) في مدينة سوتشي الروسية البحرية . لكن الكتاب الثالث القادم سوف يرتكز على عصف ذهني حول شخصية المفكر الروسي السياسي الراحل الكبير يفغيني بريمكاوف , وإهتماماته بالشرق الاوسط . و الرهاب الروسي ( أي التخوف من روسيا ) في مضمونه بانوراما للسياسة الروسية وسطنا نحن العرب و في العالم , و هو مقرب للعلاقات الاردنية - الروسية , و معزز للثقافة السياسية الروسية .و تضمن عدة محاور توزعت على حوالي 400 صفحة شملت الدور الروسي المعارض للغرب الامريكي على خارطة العالم , وقضية إقليم القرم الجدلية بين روسيا و اوكرانيا وحلافائها (امريكا و الغرب ). وعلاقة الاردن و العرب مع روسيا و اوكرانيا و امريكا و الغرب . و تسليط للاضواء على دور روسيا في تفادي إندلاع حرب عالمية ثالثة ,و في نزع فتيل ازمات عالمية ساخنة عديدة .