زيارة القدس في ظل الاحتلال .. مصلحة أم مفسدة؟
حسين الرواشدة
11-04-2010 04:24 AM
فيما تراجع الجدل حول (التطبيع) السياسي مع اسرائيل ، بعد ان ادرك رعاته استحالة اقناع الناس بجدوى السلام والتسويات والمبادرات التي لم تجد من يستقبلها على الطرف هناك ، وادركوا - ايضا - ان كل ما قدمه العرب من نوايا حسنة ومحاولات لاختراق المجتمع الاسرائيلي ، خاصة المتعاطفين مع السلام ، لم تثمر سوى مزيد من (الاستيطان) والحروب والاندفاع نحو التعصب والاستهانة بالحقوق والمشاعر العربية ، في هذه الاثناء بدأ جدل من نوع آخر ، ارضيته هذه المرة (دينية) وموضوعه (القدس) وعنوانه دعم اخواننا المقدسيين ، ودعاته من بعض مؤسساتنا الدينية وبعض علمائنا الاجلاء.
لا اشك لحظة بان نوايا اخواننا الذين لم يجدوا سبيلا لنصرة المقدسيين سوى (زيارتهم) كانت بريئة ، ولا اخفي بأنني - وربما غيري - نتمنى ان نزور القدس ، ونصلي في مسجدها الاقصى ، كما كان يفعل آباؤنا واجدادنا حين يعودون من الحج ويواصلون الرحلة الى بيت المقدس ، لكن هل ثمة مصلحة في زيارة القدس وهي تحت الاحتلال؟ واذا كانت الغاية مشروعة - وهي كذلك - فهل الوسيلة مشروعة ايضا ، بمعنى هل يجوز دينياً واخلاقياً التماس الطلب من المحتلين لزيارة احد مقدساتنا التي تتعرض للسطو والبلطجة على ايديهم؟.
في الاجابة عن سؤال المصلحة ، اعتقد ان لدينا مئات الابواب التي يمكن ان ندخل منها لنصرة اخواننا في فلسطين والقدس ، ماديا او معنوياً وبالتالي فان زيارة داعية او فريق كرة قدم او وفود ثقافية لا تصب في مصلحة اخواننا هناك ، ولا تدعم قضيتهم ولا صمودهم ، بل انها تصب في مصلحة (المحتل) الذي سيجد في ذلك فرصة لاقناع العالم بانه (متسامح) دينياً ، وبأن احتلاله لبيت المقدس لم يغلق الباب امام المسلمين للزيارة والعباد ، وبالتالي فان كل ما يقال عن (ممارساته) ضد المقدسات ، تدميراً وحصاراً واغلاقاً ، مجرد دعاوى لا اساس له امن الصحة.
في الاجابة عن السؤال الثاني: لا يوجد في الاسلام - والاديان كلها - أي اعتبار للغايات المشروعة ان لم تكن وسائلها مشروعة ، بمعنى ان زيارة القدس - فاية - لا بد ان تكون بوسيلة مشروعة ، وما دام المرور عبر لاحتلال وسيلة مشبوهة ومرفوضة فان ما يتحقق من مقاصد بالتالي يبدو مشبوهاً ومرفوضاً ، تماما كما يحصل عندما يريد احد الناس ان يتصدق على المساكين والفقراء فيذهب لكي يسرق او ينهب ، الغاية مشروعة والوسيلة (محرمة) اذن النتيجة معروفة.
ثمة ضرورات بالطبع تدفع بعض اخواننا الى زيارة الاراضي المحتلة ، هذه - بالتأكيد - مفهومة ومبررة ، وثمة حالات تتعمد فيها اسرائيل ايقاع البعض في مصيدة (التطبيع) كما حصل للعديد من الوفود التي زارت غزة او غيرها من مدن الضفة الغربية ، هذه - ايضا. تدخل في باب (الاضطرارات) ، لكن ما نقصده هو (خيارات) البعض المحضة في زيارة القدس او غيرها ، عبر البوابات الاسرائيلية ، خاصة تحت عنوان (الصلاة) في الاقصى او دعم المقدسيين او تمتين العلاقات مع اخواننا الفلسطينيين داخل اراضي 48 او غيرها ، هذه الخيارات - وان كانت اهدافها معتبرة ومقدرة الا انها لا يتحقق المصلحة ، ولا تتلمس الوسائل المشروعة ولا تخدم قضيتنا العادلة ، وغالبا ما توظفها اسرائيل في سياقات مشبوهة ، وفي خدمتها دائماً.
حين سئل البابا شنودة ، زعيم الاقباط في مصر ، اذا ما كان سيسمح للمسيحيين بزيارة القدس ، رفض ذلك واكد انه لن يزورها ما دامت تحت الاحتلال الاسرائيلي ، وهذا ما اتفق عليه معظم علمائنا المسلمين ايضا ، فهل ثمة جديد يدعونا الى اعادة الجدل حول هذه المسألة مرة اخرى؟.
اعتقد ان من الحكمة والمصلحة اغلاق هذا الباب نهائيا ، فما دام (التطبيع) السياسي قد انزوى الجدل عنه ، فما الذي استجد حتى نفتح باب (التطبيع) الديني.. واسرائيل تشهر على الملأ براءتها من (السلام) وتنصلها من كل ما يتعلق به من دعوات او آمال.
الدستور