يأخذنا مرة اخرى الصديق محمد الربيعو في رحلة مثمرة في عالم الكتب، لكن هذه المرة رحلة استثنائية جدا مع مفكر مرموق وانيق وعميق ،يمثل مصدر فخر للاردن ، وهو الاستاذ فهمي جدعان، الفيلسوف والمفكر والباحث.

مذكرات فهمي جدعان (التي ستصدر خلال ايام عن الدار الاهلية للنشر والتوزيع) تتجاوز الذكريات الى الحفر في النبى الاجتماعيةوالثقافية والسياسية، والى تقديم نموذج مهم في ما يمكن ان نطلق عليه صناعة المفكر او الفيلسوف في العالم العربي.

وبالرغم من تآلفي مبكرا مع مؤلفات جدعان؛ الا ان الحلقة الاولى في قراءة المذكرات صدمتني ، فمثل تلك الظروف القاسية التي احاطت بحياته منذ الولادة الى الشباب هي اشبه بالولادة القيصرية غير الطبيعية لفتى نشا في ظروف اقتصادية ومجتمعية قاسية في فلسطين؛ ثم رحلة اللجوء والخيام والهجرة والتشريد في الخيم والحياة الشاقة، والمعاناة العائلية والاجتماعية، ليصبح لاحقا أحد أبرز وأهم
الفلاسفة والمفكرين الاردنيين بل العرب؛ فأي مقدمات واي نتائج واي نموذج؟!

على الصعيد الشخصي قد يكون جدعان الاقرب الي فكريا وروحيا، فما انتجه من كتب مهمة اصبحت مصدرا من مصادر هويتي الفكريةالمركبة؛ بخاصة كتاب الماضي في الحاضر والطريق الى المستقبل؛ لكن الاهم هو الخلاص النهائي: مقالات في وعود الاسلاميين والعلمانيين والليبراليين؛ الذي يقدم فيه وصفة لمشروع فكري جيديد يمكن ان يقدم حلا للاستقطاب الفكري والسياسي والديني في عالمنا العربي اليوم، بعد ان يقوم بتفكيك المفاهيم الثلاثة: الإسلام (وأطروحات الإسلام السياسي)، والعلمانية والليبرالية، ويشرّح المفاهيم والمعاني وتطور الدلالات المتعلقة بها، ثم ليصل في النهاية إلى وصفة فكرية وفلسفية بمثابة الأرض الصلبة المشتركة التي من الممكن أن تقف عليها هذه التيارات، ما يزيل الشكوك فيما بينها وإشكاليات العلاقت بين التاريخ والمعاصرة، والأهم الأزمات الكبرى بين النخب السياسية والفكرية العربية، ما ظهرت آثاره في مرحلة ما بعد الاحتجاجات العربية الشعبية في العام 2011.

مسيرة جدعان الفكرية بدأت مع التراث ودراساته وتفكيكه، ثم انتقل الى الفكر العربي المعاصر؛ ليقدم في اطروحاته الفكرية الجديدة وتصورات فكرية استشرافية مستقبلية لمواجهة الازمات الراهنة .

ولجدعان مؤلفات متميزة وبعضها يدرس في الجامعات مثل كتابه نظرية في التراث واسس التقدم عند مفكري الاسلام والمحنة وغيرها ؛ لكنوللاسف الشديد حجم الاحتفاء والتكريم والتقدير لهذا المفكر العلم في بلادنا مخجل ومؤلم؛ وهذا هو حالنا مع هؤلاء المبدعين في مجالاتشتى وكأنما مقبرة لهذه النماذج !

ادعوكم لمتابعة سلسلة مقالات الصديق ربيعو في القدس العربي عن مذكرات فهمي جدعان