قراءة مشرقية للتطورات في الصحراء المغربية
عمر الرداد
12-12-2020 11:04 AM
لعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان الاتفاق على "استئناف" العلاقات بين المملكة المغربية وإسرائيل لم يشكل مفاجأة للمتابعين، فالمملكة المغربية ومنذ الراحل الحسن الثاني على اتصال وثيق بالقضية الفلسطينية، منذ رئاسة المغرب للجنة القدس، ودورها الفاعل في القمم العربية التي عالجت قضايا مفصلية في عملية السلام، بالتوازي مع علاقات معلنة مع الحكومات الإسرائيلية، وهو استكمله الملك محمد السادس،لذا كان إعلان ترامب دقيقا في استخدام لفظة"استئناف" وليس بدء علاقات بين المغرب وإسرائيل،بعد ان أوقفها المغرب عام 2000 احتجاجا على إسرائيل وتضامنا مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
غير ان ما يلفت النظر ان إعلان ترامب "المفترض" انه مشغول بإجراءات تسليم السلطة لخلفه"بايدن" يعلن عن هذا الاتفاق، بالتزامن مع اعتراف أمريكي بسيادة المملكة المغربية على الصحراء، بحيث ظهر هذا الاعتراف في إطار صفقة أمريكية – مغربية جوهرها تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل مقابل اعتراف أمريكي بسيطرة المغرب على الصحراء، ورغم وجاهة مثل هذه المقاربة مبدئيا في القراءة الأولى، الا ان قراءة ثانية تكشف حجم التحولات التي سبقت التطورين بخصوص التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بسيادة المغرب
فعلى صعيد قضية التطبيع مع اسرائيل، فان توقيت الإعلان الأمريكي يقلل احتمالات مقاربة الصفقة،مقارنة مع اتفاقات الإمارات والبحرين والسودان بانها جاءت لدعم ترامب بالانتخابات، فترامب على الأغلب يجري الترتيبات لتسليم البيت الأبيض لخلفه بايدن،وهو ما يطرح تساؤلات حول طبيعة صناعة القرار،وموقف الدولة الأمريكية العميقة، خاصة وان ملف التطبيع العربي- الإسرائيلي احد الملفات الرئيسية التي يتوقع ان يبني عليها بايدن سياساته باتجاه توسيع مساحات التطبيع، وربما يكون تركيزه على سوريا ولبنان، في إطار صفقة كبرى منتظرة مع إيران، ويبدو السؤال المطروح اليوم عن الدولة القادمة التي سيتوقف عندها قطار التطبيع، في الخليج او المغرب العربي، فالتسريبات تشير الى السعودية وسلطنة عمان وقطر في المشرق، والى تونس والجزائر في المغرب،مع ملاحظة ان مقاربة الممانعة والاعتدال العربي تغيب عند الحديث عن العلاقة مع إسرائيل، بما فيها الإسلام السياسي المتحالف مع الممانعة العربية والإسلامية.
وبعيدا عن الخطابات العاطفية والرومانسية، ومفردات قاموسها التي تنتمي لخمسينات وستينات القرن الماضي، فان هذا السلام العربي مع إسرائيل ربما يحقق دعما للقضية الفلسطينية، بالضغط على إسرائيل لاحقا،والتهديد بقطع العلاقات معها،واستجلاب دعم دولي لمقاربة الدولتين وحدود الرابع من حزيران،من موقع عربي ليس من بين أهدافه" إلقاء إسرائيل في البحر" لكن كل ذلك يتطلب شرطا موضوعيا وهو وحدة الفلسطينيين، اذ في ظل هذا الانقسام الفلسطيني بين حماس وفتح، سيبقي الباب مفتوحا أمام حجج إسرائيلية حول الشريك الفلسطيني.
أما قضية الصحراء المغربية ،فهناك أربعة متغيرات دولية وإقليمية أسهمت في الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائها، وهي،أولا: ان قضية الصحراء المغربية كانت تستمد قوتها من معيار دولي لم يعد قائما منذ انهيار الاتحاد السوفيتي،والثاني:الانشقاقات في الجبهة وتحولها الى تيارات وبروز تيار تصالحي يرى في قبول الحكم الذاتي الذي طرحته الحكومة المغربية، والمؤيد من القوى الدولية حلا مقبولا للشعب الصحراوي، والثالث: ان هذا الاعتراف الأمريكي منسجم مع القرارات الدولية حول الحل السياسي للنزاع الصحراوي والحكم الذاتي الموسع، والرابع: ان الجمهورية الجزائرية الداعم والحاضن للجبهة لم تعد تشكل نموذجا للشعب الصحراوي، فجبهة التحرير بإرثها التاريخي اليوم على المشرحة أمام حراك الشعب الجزائري، وهي صورة تتطابق في المشرق مع ما يشهده العراق،حيث الرفض الشعبي لاستنساخ تجربة الثورة الإيرانية،بالتزامن مع حالة الرفض التي تعبر عنها حراكات شعبية إيرانية ضد القيادة الإيرانية،وتطرح قضايا حياتية برنامجية، فتلك المظلومية لم تشكل بديلا للخبز ولا للكهرباء، ولا للمياه الملوثة، بالنسبة للعراقيين.
الجدالات والرهانات حول التقليل من أثر الاعتراف الأمريكي، بما فيها إمكانية انقلاب الإدارة الديمقراطية عليها، اعتقد أنها غير موضوعية ، فيما لن يتعدى التنديد والرفض بالاعتراف الأمريكي لدول محدودة لن تتجاوز أصابع اليد الواحدة" الجزائر،روسيا وربما تركيا في وقت لاحق" وربما ستندفع دول جديدة "عددها حاليا 15 دولة" لفتح قنصليات في الصحراء المغربية، في إطار مواقف تضامنية مع المملكة المغربية.
ورغم ذلك فإن احتمالات أن تصعد البوليساريو ضد الأوضاع الجديدة بأعمال عسكرية ضد السلطات المغربية يبقى واردا، وفقا لإعلانات صدرت من قيادات في الجبهة، الا ان تلك الأعمال لن تحظى بتأييد كما كانت عليه في مراحل سابقة ،وستواجه صعوبات في ظل سيطرة الحكومة المغربية على أكثر من 80% من الأراضي الصحراوية،واحتمالات ربط اية أعمال عسكرية بالتنظيمات الإرهابية التي أوجدت لها موطئ قدم في المنطقة، كما ان أوضاع الحليف الجزائري ليست كما كانت سابقا،ولن تغامر بجر الجزائر بعزلة أوسع، فيما الموقف الموريتاني المؤيد للحكومة المغربية سيلعب دورا حاسما في دفع الجبهة للذهاب الى خيارات التفاوض، وهي النهاية الحتمية لكل الصراعات.