في ظل ظاهرة التسيب الإداري وتغييب المعايير الأخلاقية والقيم والمُثُل العليا في بعض المؤسسات الحكومية العامة لتحقيق المنفعة الخاصة واستغلال المركز الوظيفي بسلوك بيروقراطي منحرف تماماً عن الصالح العام والإهمال الواضح في العلاقات العامة والتعامل مع شريحة قصدية وإهمال شرائح المجتمع الفاعلة وضعف الخدمات المقدمة للمجتمع، بالإضافة إلى الإطاحة بالقدرات العليا وإسناد المسؤولية لغير مستحقيها خلافاً للأنظمة والقوانين و غياب الضمير الديني و الوطني و ضعف الرقابة الداخلية في بعض المؤسسات أصبح واقع ملموس مشاهد يومياً، ولعل "الإصلاح الإداري" لتلك المؤسسات والهيئات الحكومية، وتعزيز قيم المشاركة العامة والنزاهة والشفافية والعدالة في التعامل مع المواطنين والقضاء على ظاهرتي الفساد و التسيب الإداري بات مساراً مهماً في بعض مؤسسات القطاع العام و الدوائر التابعة لها.
جلالة الملك عبد الله الثاني راعي مسيرة الإصلاح والتنمية في الأردن الحديث تبنى فكرة الإصلاح الإداري كعملية قيادية ونقلها إلى عناصر التنفيذ في أجهزة و مؤسسات الدولة مرات عديدة، ولعل أحدثها وأقربها ما نادى به جلالته أمس في خطاب العرش السامي خلال افتتاح أعمال الدورة غير العادية لمجلس الأمة التاسع عشر، من تطوير هذا القطاع، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وأن تكون الشفافية والمكاشفة والانجاز نهج عمل الحكومة، والإستفادة من الفرص الواعدة في الصناعات الغذائية والدوائية والمعدات الطبية والزراعية، ومحاربة الفساد بأشكاله كافة كأولوية وطنية.
ولكن بعض الإدارات العليا في تلك المؤسسات التي يسودها الضعف و المشكلات وزيراً كان ام أميناً عاماً أم مديراً عاماً، علاوة على القوانين والانظمة، لم تلتقط رسائل جلالة الملك، بدليل ان كافة المؤشرات، بما في ذلك تقارير جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز، تؤكد ان مستوى اداء القطاع العام، ما يزال متدنيا.
أخيراً إذا كانت الإدارات العليا في المؤسسات الحكومية العامة ترغب بتنفيذ رؤى وتطلعات جلالة الملك بشان الإصلاح الاداري وتطوير القطاع العام، فهناك كثير من المتطلبات الواجب تحقيقها، وفي مقدمتها؛ ان تكون الإدارات العليا المسؤولة عن الإصلاح على دراية بالإدارة العامة، ومطلعة على آخر المستجدات والبحوث العلمية المتعلقة بذلك، ويلي ذلك؛ وضع استراتيجية للقطاع العام، تتضمن اهدافا واضحة، و تعزيز الرقابة الداخلية وايلاء الموارد البشرية الاهتمام والرعاية باعتباره رأس المال الذي يحرك هذا القطاع ويديره.