خطاب العرش الهاشمي: ثوابت ورؤية وتطبيق
د.بكر خازر المجالي
11-12-2020 11:26 PM
هذا هو خطاب العرش رقم 19 في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني ،وكان أول خطاب في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الامة الثالث عشر بتاريخ الاول من تشرين الثاني عام 1999م ،
وهذا هو خطاب العرش الثاني في دورة غير عادية لجلالته ،فقد كان الخطاب الذي سبقه في افتتاح مجلس الامة السابع عشر بتاريخ 10 شباط 2013 الذي كان مباشرة بعد انتخابات ذلك المجلس ، والذي سبقه اجراءات عديدة تعلقت بالتعديلات الدستورية وعملية التحول الديمقراطي وتطبيق نظام انتخاب جديد.
وحين نقرأ في الخطابات التسعة عشر نرى انها تمتاز بوجود ثوابت فيها تشكل قواسم مشتركة هي تعبر عن ثوابت الدولة الاردنية والرؤية الهاشمية في القيادة والادارة والبعد السياسي والاقتصادي وغيرها ، ونستطيع استجلاء هذه الثوابت كما يلي :
1. ذكر الثورة العربية الكبرى وتقدير رجالها ورسالتها .
2. الاعتزاز بدور القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية وتوفير الدعم المستمر لها .
3. الاعتزاز بالانسان الاردني وقدراته .
4. التأكيد الدائم على الوصاية الهاشمية على الاقصى والمقدسات وحماية القدس الشريف ودعم الدولة الفلسطينية الكاملة المستقلة.
5. التأكيد على ان تكون العلاقات مع الدول العربية والصديقة في افضل حالاتها .
6. التأكيد على دور البرلمان والنائب تحديدا ليمارس واجبه كنائب وطن بعيدا عن اية مصالح ضيقة .
هذه كمحاور رئيسية تكاد تكون ثابتة في كل خطابات العرش ، ثم هناك مسائل اخرى لا تقل اهمية عنها من مثل:
1.التأكيد على مسارات التحول الديمقراطي وتعميق الثقافة الديمقراطية وتشجيع العمل الحزبي .
2.التوجيه السامي حول تحسين مستوى عيش المواطن والتقليل من البطالة ومستويات الفقر .
3. تشجيع التعاون والتنسيق بين الجميع لتحقيق الاهداف من خطط التنمية والبرامج الاقتصادية المختلفة .
4. الاهتمام بقطاع التعليم في كل مستوياته .
5. الاهتمام بالقضاء وتحقيق اعلى مستويات العدالة .
6.محاربة الفساد والواسطة والمحسوبية .
وهنا نجد ان وظيفة خطاب العرش هي رسم خارطة طريق للحكومة والبرلمان لتوجيه الاهتمام نحو المسائل المفصلية التي تنهض بالدولة وتوجه التمويل بتركيز نحوها لتجنب اضاعة الوقت والانفاق غير المبرر ، ويتطلع جلالة الملك عبدالله الثاني نحو الاردن الافضل والنموذج لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاكتفاء الذاتي الى اقصى حد ممكن .
وفي خطاب جلالته في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الامة التاسع عشر الحالي بتاريخ 10 كانون الاول 2020 ، فيه ترجمة المبادئ والثوابت ،وملاحظة تركيز جلالته على موضوع القدس واستخدام مصطلح اضافه جلالته من جديد وهو أن المسجد الاقصى لا يقبل القسمة أو المشاركة ، وهذه اشارة الى محاولات العدو تقسيم المسجد الاقصى مثلما تم في المسجد الابراهيمي في الخليل .
ومن المواضيع المستجدة في خطاب العرش السامي الاخير في مجلس الامة التاسع عشر هو الاشارة الى موضوعين :
الاول : اننا نحتفل بمئوية الدولة الاردنية الاول وندخل في المئويةالثانية ، وهذا يتطلب من الحكومة التضافر والتعاون لابراز منجزات الدولة وان ندرك أن للاردن تاريخ عظيم برجاله وتضحياته .
الثاني : الاهتمام بصحة المواطن اثر جائحة كورونا التي نواجهها الان ودعوة الحكومة الى توجيه خططها لتوفير المستشفيات والعلاج الكافي والتعامل مع اثار الجائحة الاقتصادية والتخفيف على المواطنين .
وخطاب العرش دائما يلخص الحالة الراهنة ويضع التصور لمرحلة قادمة ، ولكن في هذا الصدد ان خطاب العرش هو كاستحقاق دستوري
موجه مباشرة الى اعضاء مجلس الامة ، ويأتي كتاب التكليف السامي بنفس الاهداف موجه مباشرة الى الحكومة ، ثم تأتي الاوراق النقاشية لتتناول قضايا الحياة الديمقراطية التي يتطلع اليها جلالة الملك عبدالله الثاني من خلال طرح افكار وتصورات وللاسف لم يتم تطبيق اي شيء منها بخصوص الحكومة الحزبية البرلمانية ووجود عدد من الاحزاب لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ، ووجود حكومة الظل وان يكون الانتخاب على اساس التعددية الحزبية والقوائم النسبية وليس بمثل النظام الحالي الذي عليه الكثير من الملاحظات وربما يكون هناك مشروع قانون انتخاب جديد . ولا بد ان نشير الى نجاح تنفيذ افكار مثل الهيئة المستقلة لانتخاب والمحكمة الدستورية وأيضا اقرار التعديلات الدستورية التي شملت اكثر من ثلث مواد الدستور .
لذلك نرى ان الساحة الفكرية مشبعة بالطروحات والتصورات النموذجية ،ولا يخلو خطاب لجلالة الملك سواء كان خطابا رسميا أو في حديث مع ابناء شعبه أو في الجامعات أو مع وسائل الاعلام الا ويتطرق جلالته الى ضرورة الارتقاء الى نموذج اردني في الديمقراطية عنوانه "الوطن " وخدمته من خلال التشريع والرقابة الموضوعية ،وتأكيد الفصل بين السلطات خاصة ان قانون مجالس المحافظات وانتخاب اعضائها قد جاء لتفريغ هذه المجالس للنواحي الخدمية ،وأن يتفرغ مجلس النواب للتشريع والرقابة ،ولكن استمر اعضاء مجلس النواب بدورهم الخدمي اضافة للواجبات الدستورية ولكن الى حد التغول على مجالس المحافظات .
واليوم نحن امام مرحلة دستورية جديدة يمثلها 100 نائب جديد اضافة الى الثلاثين السابقين ، وظروف صعبة وتحديات داخلية واقليمية وعالمية ،وتطورات خطيرة على صعيد القضية الفلسطينية وتزايد التهديدات لوجود الدولة الفلسطينية وكذلك هناك تهديدات تحوم حول القدس والمسجد الاقصى .
ولكن لدينا الثقة بحكومتنا الاردنية والبرلمان الحالي للتصدي لهذه التحديات ولدينا الثقة بجلالة الملك عبدالله الثاني الذي يقود الديبلوماسية الاردنية في المسرح العالمي بنجاح واقتدار لتحقيق المطالب العادلة وتدعيم الاقتصاد الوطني وتعزيز الموقف الفلسطيني في جهاده للوصول الى الدولة المستقلة وعاصمتها القدس العربية ، وايضا موقف جلالة الملك الصلب ازاء القدس العربية والذي كان واضحا في خطاب العرش الاخير حين قال جلالته :
" ونحن لم، ولن نتوانى يوما عن الدفاع عن القدس ومقدساتها وهويتها وتاريخها، فالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، فهي واجب والتزام، وعقيدة راسخة، ومسؤولية نعتز بحملها منذ أكثر من مئة عام، فالقدس هي عنوان السلام، ولا نقبل أي مساس بوضعها التاريخي والقانوني، والمسجد الأقصى، كامل الحرم القدسي الشريف، لا يقبل الشراكة ولا التقسيم."
وأقول هنا ان المواطن الاردني في كل خطاب عرش أو غيره هو في وجدان جلالته وموضع تقديره واعتزازه وهنا يقول جلالته في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الامة التاسع عشر في 10 كانون الاول 2020 :
"من على هذا المنبر، أتوجه إلى كل فرد في أسرتنا الأردنية، وأقول لهم، أنتم أهل العزم، فليكن انتماؤنا عملا وعطاء وإنجازا، ليبقى الأردن قويا عزيزا، وتبقى هاماتكم مرفوعة. وأسأل المولى عز وجل، أن يعيننا جميعا، على خدمة وطننا الغالي وشعبنا العزيز."