لا شك بأن للأماكن والأزمنة ملامح أثرت في تشكيل تاريخها، والجميل ان يعيش الانسان ليرى أماكن اثرت في ملامح مدينته التي يعيش فيها ويحب، فالأماكن كالبشر والشجر لها صفات وملامح ولها روح.

يوم الخميس الماضي شهدنا انعقاد أولى جلسات مجلس الامة، وموقع هذا المجلس -كما كلنا نعرف-يقع في منطقة العبدلي، شارع الملك حسين، بالقرب من قصر العدل. وهذا الموقع ليس الوحيد لمجلس الامة، فالعاصمة عمان احتضنت أكثر من مكان لمجلس الامة وهذه الأماكن ما نزال نشهدها ونراها بأم أعيننا، وهذه الأماكن اثرت في تشكيل تاريخ الأردن وملامحه الوطنية والعروبية.

البناء الأول لمجلس الامة والذي كان يعرف آنذاك بالمجلس التشريعي يقع حيث يقع البنك المركزي حالياً في وسط البلد، شارع الملك حسين (ما يعرف بطريق السلط سابقاً) بالقرب من قصر العدل القديم (محكمة التمييز حالياً). وقد عُقدت أولى جلسات المجلس التشريعي في هذا البناء بعد اجراء الانتخابات في عام 1929 وذلك بعد صدور قانون الانتخابات للمجلس التشريعي في النصف الثاني من عام 1928.

الملفت في قانون الانتخاب للمجلس التشريعي لعام 1928، ان جميع أعضاء المجلس التشريعي كانوا يُنَتخبون انتخاباً وكان المجلس يتكون من (16) عضواً: (14) عضواَ من عمان والبلقاء وعجلون والكرك ومعان و(2) عضوين من البدو. من ضمن الــ(14) مقعد كان منهم (2) مقعدين للشركس و(3) مقاعد للمسيحيين. اما المقاعد المخصصة للبدو، فكانت موزعة بين بدو الشمال وبدو الجنوب وهم بنو صخر والسرحان وبنو خالد والعيسى والسليط وتوابعهم (بدو الشمال) الحويطات والمناعون والحجايا وتوابعهم (بدو الجنوب).

وتشير المراجع التاريخية، بان مقر المجلس التشريعي في عام 1944 انتقل من وسط البلد الى مبنى يقع في جبل عمان مملوك للسيد ملحم حداد بالقرب من قيادة الدرك في ذلك الوقت، وفي هذا المبنى عَقد المجلس التشريعي (بصفته مجلساً تشريعياً) اخر جلساته حيث تم الإعلان عن الاستقلال وتبعه صدور دستور 1947 الذي معه أصبح اسم المجلس (مجلس الامة) بدلاً من المجلس التشريعي.

اما الموقع الثالث لمجلس الامة، فهو البناء الذي يقع في جبل عمان الدوار الأول بجانب نادي الملك حسين شارع الكلية العلمية الإسلامية (متحف الحياة البرلمانية حالياً)، وهذا الموقع تم استئجاره في عام 1947 ليكون مجلساً للامة وتم عَقد أولى الجلسات فيه بعد الانتخابات النيابة التي تمت في عام 1947؛ وهذا المجلس كان يتشكل حينها من مجلس اعيان وعدد أعضائه (10) ومجلس النواب عدد أعضائه (20).

اما الموقع الرابع لمجلس الامة فهو المقر الحالي في منطقة العبدلي في عمان. وقد قرأت في أحد المراجع ان المهندس المصمم لهذا البناء استوحى التصميم من فن العمارة الإسلامية وتحديداً من بناء قبة الصخرة في القدس الشريف والذي إن دل على شيء فانه يدل على المكانة الكبيرة التي تحظى بها القدس عند الاردنيين.

هذه الأماكن تعكس جمالية عمّان ومدى تنوعها وعراقتها وعروبتها ووطنيتها، وتبقى هذه الأماكن شاهدة على تاريخ عمان ... فبارك يا مجد منازلها والأحبابا، وازرع بالورد مداخلها باباً باباً.

firas.malhas@gmail.com