الراحل علاء الطراونة يكتب عن ولده الراحل فارس
علاء الطراونه
11-12-2020 04:12 AM
تحت عنوان "فارس" كتب الصحفي الاردني الراحل علاء الطراونة مقالا في عمون اول تأسيسها وكان من كتابها الرئيسيين مناجيا فيه ولده فارس ...
واليوم مع رحيل فارس الذي ابكانا بفقده نعيد نشر مقالة علاء عن فارس ... ونستذكر اخر فقرة وهو يقول لفارس ( أمامنا عام مقبل من الاغتراب ولابد لنا من شئ لنستذكره معا ونبكي ).
(المحرر)..
..........
أبوة في عامها الأول .. ومشاغب صغير أدخلني في هزيع متأخر من العمر .. قبل أن يبدأ العمر .. وأدوية من كل الأنواع يحملها ابن الثمانية وعشرون ربيعا في جيبه مقلدا الكبار, وجري وراء لقمة العيش على مقربة ألفي كيلو متر من الوطن .. ورطوبة تخنق الانفاس كأنك تستنشق الهواء من وسط فولاذي .. وبعض الشعيرات اللاتي خلعن ردائهن الأسود في اعلان رسمي عن مرحلة جديدة اسمها ( فارس ) .من منا يعلّم الآخر ؟ ولماذا يمنعني كبريائي يا ولدي من الاعتراف بأنك استاذ في التهذيب , وأنا الذي أرمقك بطرف العين محاولا كبح ثورتك علي .. وها أنت كالمعتاد ترد عليّ بعصبية تبعثر أشيائي على رأسي وتدلق الشاي على "ما استطعت اليه وصولا" .. وأخيرا تنام .. وأندم بعدها على كل غضبة كانت تحيل ضوضائك الى صمت مفرط وخوف من أبوة مبتدئة تجهل تربية " وطن صغير " .
عندما غادرت يا ولدي قبل أكثر من عام كنت أخاف أن أبقى وحيدا لكنك أبيت المجئ معي محمولا لا يرى النور ... فكان اصرارك على أن تبقى انتاجا اردنيا خالصا ... وها هو قدري كمغترب أسمع بك قبل ان أراك ويستمتع بقدومك الجميع رغم أحقيتي بك .... انها ضريبة الضياع ... هل ستذكر ذلك يا صديقي ؟ لا أظن .
بدلا من جلسة أولى في بيت جدك تجمعني بك ... يكون لقائنا الأول في احد المطارات ... ومئات الغرباء حولنا ... وصورتك الضبابية غير المكتملة رأيت فيها الوطن بأكمله ... كنت قد قلت سابقا : أليس بالامكان الاحتفاظ بعبوة صغيرة من الوطن بين امتعة المسافر .... ما حاجتي لها وانت معي الآن .
هل اختطفتك من هناك ؟ وأنت وسيلتي الوحيدة للشعور بالأمان .... اي ديكتاتور أنا ... حتى أنني لم أعرف رغبتك في المجئ من عدمها .... أردتك وفقط ... هي معادلة غير متوازنة .. كم أشفق عليك .. فها انا أقضي عاما واحدا من عمري بعيدا عن الوطن بينما أجبرتك على قضاء عام واحد من عمرك خارج الوطن أيضا .. أليس العام هو عمرك كله يا صديقي ؟؟
ما أصعب غربة الاطفال . ها هو نسيجك الطري يتشكل تحت وطأة هواء صناعي جاف .. ومخيلتك لن تحمل في ثناياها " الكرك " ومعرشات الدوالي .. ستبقى عالقا ما بين وطن طارئ ووطن آخر يظهر فقط في الاجازة السنوية لوالدك .. ستظن بأن العالم كله أنا .. هل رأيت احتكارا أبشع من ذلك ؟؟ لا أظن .
لقد بدأت بالوقوف .. لوحدك ودون مساعدة وبعد عدة أيام ستخطو خطواتك الأولى .. اسمح لي بطلب صغير .. لا تتعجل المشي يا ولدي , أجّل خطواتك الاولى حتى نعود الى الوطن ففي بيت جدك أكثر من حضن يتلقفك عند السقوط , كما ان أمامنا عام مقبل من الاغتراب ولابد لنا من شئ لنستذكره معا ونبكي .
علاء الطراونة في 12-07-2007 الثالثة صباحا.