العونة ..
المحامي عبدالكريم ابراهيم الكيلاني
10-12-2020 04:00 PM
عكفت مؤخرًا بحكم العمل ، على اعداد إستشارة حول ملف دعوى ( منتهية) ، تجاوزت محتوياته ألفي صفحة ، واستغرقت اجراءات الدعوى اكثر من ١٥ عشر عاما .
مشتملات الملف تتكون من عدة اجزاء، لكن جلها يتعلق بالجلسات والتأجيلات وهي في العموم، (مهل لتبليغ الاطراف -مهل التاكيد على تبليغ الاطراف - مهل لتوكيل محامي -مهل مرة اخرى لذات الغاية - مهل لتقديم جواب - مهل للاطلاع - مهل لتعيين خبير - مهل لدعوة الخبير -مهل لورود التقرير و هكذا ....)
ولا أزيد عناء القاريء بأكثر ذكرت، ولا اظنه يمهلني اكثر في عرض المهل والتأجيلات.
ويكفي ما سبق لإدراك عناء تلك الرحلة من الاجراءات ومشقة احتمالها من المحاكم والمحامين وغيرهم من اعوان القضاء.
بيت القصيد فيما تقدم، ان الاجراءات التي تتطلب الحضور وجاهيا امام القضاة ١٠ بالمائة من الجلسات، وربما تتعدى هذه النسبة بقليل.
وامام هذا الواقع شبه اليومي في المحاكم ، و إزاء حالة الضرورة بأسبابها الوبائية ومتطلباتها الصحية ، لا يجوز ان يتمترس العقل البيروقراطي بأنماط الاجراءات التقليدية دون طائل .
فقواعد الاجراءات التي وضعت في القرن الماضي ليست مقدسة ولا هي غاية بذاتها، و إنما تهدف الى تحقيق ضمانات المحاكمة العادلة، واليوم اصبحت تتطلب في كثير منها اعادة النظر ، ومادام الاصل في الدعوى انها (من حق الخصوم) ، فمحاكاة النظريات التقليدية بأدوات عصرية امر مشروع ولامفر منه ، بشرط الا تخل بالضمانات العادلة للمحاكمة .
بطبيعة الحال لم يكن الاجراء البديل متاحًا قبل سنوات ، لكن اليوم وقد تطورت المنظومة التقنية ، لا يمكن ان يواصل المحامون و القضاة استنزاف وقتهم الثمين بل ويدفعون حياتهم ثمنًا لان بعضا يرفض ان ينفض الغبار عن نظرية الاجراءات وهي يمكن ان تتم عن بعد بافضل السبل .
ويبقى عقد الجلسات وجاهيا قائما فيما لا يستعاض به عن ذلك .
ان الثورة في المفاهيم ، لم تعد أمرا استثنائيا ،
والمطبخ القانوني يعمل بكد في كل العالم لاجتراح حلول وفي الاْردن من المؤكد ان اللجنة القضائية المشكلة لهذه الغاية لا ترواح مكانها، فهي مشكلة من قضاة أفذاذ ، ومحامين خبراء ستقدم لمنظومة العدالة الناجزة مقترحا متكاملافي وقت قريب وسنقدم نموذجا لكفاءة اجهزة الدولة مرة بعد مرة .
واذا كانت مهنة المحاماة ذات تقاليد راسخة ، بلغت من علو شانها ما دفع بنوابغ القانون الأردني على النص في لائحة آداب مهنة المحاماة ، على ان المساس بهذه التقاليد من شأنه (ان يعرض النظام القضائي برمته الى الاهتزاز .)
فان لازمة المحافظة على احترام هذه التقاليد العريقة في نفوس العامة هي في القدرات الخلاقة، و الابتكار القانوني ، وابداع الو سائل ، ومواكبة روح العصر ، لا ن (الحكم على الرعية منوط بالمصلحة) .
ان النقاش اليوم ، بين مؤيد و معارض للتعليمات الصادرة بموجب امر الدفاع ٢١، هو احوج ما يكون الى حكماء التهدئة ، فالوتر المشدود لن يفضي الى تفاهم .
و الأهداف النبيلة لدى جميع الاطراف هي الوصول الى العدالة مع اسباب التحوط ، حتى لا يصاب الجسم القضائي بالشلل -لا سمح الله -لأسباب صحية معروفة للجميع .
وهذا الهدف ، يتطلب من جهة الادارة الحكومية التحسين المستمر و الاستجابة لعدد من المطالب ، ومن الجسم النقابي اعني المحامين ، فقد تطوعت بالفعل مجموعات متعددة بتقديم المبادرات ، و تلقي الاقتراحات ، و مما لا شك فيه ان تأهيل الكوادر وإعداد نوافذ إلكترونية و حلقات تطوعية اخرى متعددة سيجسر الهوة .
الروح الشعبية و السلوك الاجتماعي الأردني مجبول على خلق ( العونة) عند الشدائد فما احوج الوطن اليوم لهذا الخلق ، و لن يخذل المحامون الاْردن ، شانهم في ذلك قطاعات مهنية اخرى تسابقت في تقديم اعز ما لديها حبًا وكرامة للوطن ، و الأيام القريبة ستبدي و تعلم.