شاهدنا الظهور الأول لوزير التعليم العالي على شاشة المملكة مساء الأربعاء، وبصراحة اُعجبت بالمذيع فقد امطر الوزير بأسئلة كثيرة ومهمة تعكس نبض الناس، اجابات الوزير لم تعكس كل الحقائق، وحملت بعض الإجابات المنتظرة، وأبقت الباب موارب كما يقولون لبعضها، واستوقفني تصريح الوزير بأولويات العمل المطروحة لوزارته، والتي هي ملفات قديمة جديدة، مع أننا ننتظر ثورة بيضاء بمنطلقات استراتيجية، تأخذ التعليم العالي كوحدة واحدة مرتبطة بالسياق الوطني والعالمي، وسأعرض لما طرحه الوزير مع بعض المقترحات وبعدها بعض الملفات التي تؤرق التعليم العالي وبحاجة لعمل جاد:
1- ملف التعليم الالكتروني وإدماجه، أعتقد أن الوضع حاليا جيد كما قال الوزير وليس أكثر كما يتبجح البعض، فهو كتعليم قبلنا به جميعا وتوائمنا معه مدرسين وطلبة، ولنا الكثير من التحفظات عليه، ولكن مكره أخاك لا بطل، وأنبه أن لا نشطح كثيراً في إحلاله، لأن النتاجات ما زالت نظرية، تركز على الكم ولم تختبر النوع، فنحن بحاجة لسنوات لنختبر خريجي الأونلاين في سوق العمل ونحكم، وفي حالة الإدماج يجب أن لا تزيد النسبه عن 20% لمتطلبات الجامعة، وعلينا أن نركز على التعليم الإلكتروني التفاعلي كأولوية حاليا، لحين العودة للغرف الصفية، وكذلك تجويد الإمتحانات وتقليل عامل الغش ما أمكن.
2- الخطط الدراسية: نعم الخطط بحاجة لتحديث وتجويد، ولكن قبل ذلك يجب هيكلة التخصصات، والتخلص من الراكد والكلاسيكي، والإنتقال للتخصصات الحديثة التي يتطلبها عصر التكنولوجيا المتسارع، على أن نتخلص من الأوراق الصفراء التي عفا عليها الزمن بين يدي بعض أساتذة الجامعات، ، وكذلك المواد المطروحة لحاجات المدرس قبل التخصص..!
3- أسس القبول الجامعي، أوضح الوزير بعض التصورات، بعد الغاء أو تعليق ما تم طرحه من قبل مجلس التعليم العالي، والذي هو ذاته من سيقر الأسس الجديدة بقيمة مضافة جديدة هي تغَيُر الوزير، ما طرحه الوزير قد لا يكون خيارا عملياً أيضا، لأن الموضوعية لن يتم ضمانها، ولهذا يبقى القبول الموحد على محدداته الخيار الأفضل، ولكن يمكن تجويده من خلال إضافة تقييمات للإتجاهات والقدرات لدى الطلبة وربطها مع ما يناسبها من تخصصات، لنضمن متطلبات الإرشاد والتوجيه المهني الفعال.
4- البحث العلمي: كتبت سابقا عن معضلتنا في البحث العلمي، تمويلا وإجراءً، ومطلوب توحيد تعليمات الترقية في الجامعات وأن تكون من خلال هيئة أو لجنة وطنية، تحدد أولوياتنا وتعمل لمصلحة الوطن، لحين نضوج بعض الإدارات الجامعية التي تعبث بالترقيات والبحث العلمي وتجعل منه صكوك غفران وواسطات وشراء ولاءات تمرر السيء وتحبط المتميز، حتى أصبحت القضايا المرفوعة في المحاكم أكثر من المعروضة على لجان الترقيات..! ولا أنسى ترسيخ ثقافة البحث العلمي لدى القطاع الخاص ليس على شكل إقتطاع، بل على شكل فعل وتشارك مع الجامعات، ولنا مثال على ذلك لقاح الكورونا الذي توصلت له شركة فايزر دون الإستعانة بالأموال الحكومية أو الفيدرالية.
هذه هي أولويات الوزارة على لسان الوزير وأعتقد أن هنالك ملفات مهمة جدا يجب أخذها بعين الإعتبار مثل:
1- التعليم التقني: حيث يعاني من نقص التمويل والتجهيزات والخبرات والإدارات والسياسات وتناقص أعداد الطلبة، حيث لا يشكل المنخرطين فيه اكثر من نسبة 35% من نسبة طلبة الكليات والتي تشكل فيها التخصصات غير التقنية ما يقارب 65%، وهو بحاجة لعملية هيكلة وتطوير حقيقية، تبدأ بتقييم لواقعه من جهة دولية متخصصة محايدة، ومن ثم وضع خطة إستراتيجية لهيكلته وتطويره مع خطة تنفيذية وميزانية منفصلة بجدول زمني، وغير ذلك مما يعلن هو محض كلام للإستهلاك الإعلامي ليس له أصل في الواقع ولا لتجاربه الأجنبية المزعومة، وسأنشر له قريباً دراسة واقعية بالأرقام والحقائق.
2- الإدارات الجامعية ومجالس الحاكمية، لدينا معضلة كبيرة في إختيار رؤساء الجامعات والإدارات الجامعية، خلاصتها تقريب الفاشل وإبعاد الناجح، إضافة للتغول والتهميش لمجالس الحاكمية وإنعدام دورها ووجودها في بعض الجامعات، أضف لذلك مجالس الأمناء والتي أصبحت عبئا على بعض الجامعات وأصبح بعض أعضائها في بعض الجامعات يستجدون رؤساء الجامعات، لقنص التعيينات وتمرير القرارات التي تكرس تفرد الرئيس… والأمثله موجودة لمن يريد… !
3- التمويل: مديونية الجامعات يجب حلها إما من قبل الحكومة أو رسوم الجامعات أو المساعدات الدولية وجعل ذلك أولوية وطنية، وأما إثقال كاهل الجامعات بالتعيينات غير المبررة والتي تحدث عنها معالية فما زالت تتم في بعض الجامعات دون إعلان تارة وبطرق إلتفافية تارة أخرى وفي عهد وزارته القصير والأمثلة لدي أيضاً… !
4- ربط التخصصات بسوق العمل، وسياسات التشغيل والتشارك مع القطاع الخاص، ما زال الكلام نظري غير صحيح وهو فقط لذر الرماد في العيون، ويطلق على عواهنه والحقيقة أنه لا يوجد أي تجارب حقيقية بذلك.
5- الطلبة: لا يوجد في جامعاتنا مبادرات ونشاطات بالحجم والشكل المناسبين لبناء الشخصية الإيجابية الإجتماعية والوطنية المسؤولة للطالب وقدراته، ويجب إعادة النظر بمادة التربية الوطنية التي تحولت لموضوع إنشاء وتاريخ للبصم وأداء الإمتحان والعلامة… و ليس لها تأثير وطني يذكر عند الطلبة، وأقترح تحويلها لمساق عملي تطبيقي وخدمة مجتمع وساعات عمل تطوعي في قطاعات خدمية مختلفة، ولا أنسى إنعدام التواصل الحقيقي القدوة، بين أعضاء الهيئة التدريسية والطلبة، وكذلك التعامل السيء مع الطلبة من بعض الإدارات الجامعية، ففي بعض الجامعات يتم إستدعاء الطلبة لوضعهم لايك أو انتقادهم لأي وضع أو خدمات في جامعتهم، ويتم التعامل معهم بطرق بوليسية ومنحهم الإنذارات وتهديدهم بالفصل..! فأي جيل ستصنع مثل هذه الممارسات..!
هذه بعض القضايا والمقترحات وهنالك الكثير من قضايا التعليم العالي التي يجب التعامل معها فوراً ودون إبطاء، وعكس ذلك ستتغير الوزارات… وتمضي السنيين ونحن نسير بخطوات ثابته إلى الوراء…حمى الله الأردن.