لا تحتاج اليوم ان ترى شهادة وفاة لتثبت لك ان صديقك او قريبك توارى تحت التراب، فقط انظر لقلبك فتجد حقائبه ملقاة على قارعة الطريق، تنبذه من ركنك الرقراق كالمطر وترديه في صحراء غبراء تآكل الشوك في رمالها، وهذا مآله سنينا عجاف له وربيعا بديعا لك وها هنا المفارقة، ولترفع لسمو ذاتك القبعة محلقا في فضاءات الفرح والزهو والألق.
كثيرون كانوا كالذهب الخام في منظورنا الطفولي البرئ هكذا حتى صقلتهم براثن الفوضى، فوضى النفس، الأنانية، التملك غير المشروع، الغيرة العمياء مع فقدان اسباب التفوق والرجوع خطوات للخلف، خطوة تتقدمها انت بإيمانك وادراكك لتشوهاتهم وخطوة يعيدون بها ذواتهم لأسفل القاع في واد وعر وهذه المفارقة الثانية يا سادة.
الحداد هو ان ترتدي الاسود حزنا على راحل عزيز، لكن تبقى الروح قوس قزح لإن ابهى الذكريات وأجملها تركت لك صور القلب والضمير، والعكس صحيح اي لا عزيز امام تعدد الوانك رغم موته المؤقت في نظرك واستمراريته في منظور الخائن والنذل "الآخر"، ثمة آخر كالعبد في الجاهلية يتمرمغ تحت النعال ويقبلها ويرتضي ببيع الكرامات في دناءات العهر البشري، وهذه هي المفارقة الثالثة رغم انك تحمل ملف حقيقته المنطوقة بلسانه وتصمت الى ان يحين الوقت المناسب "لترديه".
في عالمنا الذي يتسخ يوما بعد يوم بأعداء المحبة والطيبة ويتكلل بالكراهية والإحقاد لا يسعني القول الا ما قاله محمود درويش "لا شيء يعجبني" أما المفارقة الرابعة فتأتي بالمقال القادم تحت عنوان "الموت حق لا تستفيقوا".