لحسن التهامي دور مميز في احداث الاردن عام 1955
أ.د. سعد ابو دية
09-04-2010 04:55 AM
لحسن التهامي دور مميز في احداث الاردن عام 1955:
مذكرات عبداللطيف العزة «1948 - 1958»
* لحسن التهامي دور كبير جدا في حركة الضباط الاحرار في الاردن
بين يدي مخطوط مكتوب على الآلة الكاتبة(تم طبعه الان) بقلم عبداللطيف العزة الذي عاش وشارك في كثير من احداث جرت في الاردن وفلسطين وبخاصة في فترة 1948-1957م وكان لعلاقته القوية مع مصر دور هام في الاحداث اللاحقة في الخمسينات. لا تتجاوز صفحات المخطوط اكثر من (93) صفحة ولكنها زاخرة بالمعلومات.. عنوان المخطوط (زمن الاعتكاف صفحات من تاريخ الاردن وفلسطين: مذكرات عبداللطيف العزة 1936-1958).
هناك شيء لفت انتباهي ان الكاتب لا يتحدث عن نفسه بل عن الاخرين وهذا شيء نادر في الكتابة، فالكثيرون عندما يكتبون المذكرات يتحدثون عن انفسهم وكل واحد يبالغ في دوره حتى رؤساء الدول يقعون في هذه الاخطاء. وعلى سبيل المثال فان (السادات) عندما كتب كتابه (البحث عن الذات) صوّر نفسه حجر الرحى في احداث الخمسينات في حين ان عبدالناصر كان اكثر تأثيرا في سير الاحداث.
* عبداللطيف والعلاقة مع مصر:
تصور الكثيرون ان عبداللطيف، كاتب المخطوط، كان من رجالات مصر وعبدالناصر في الخمسينات لدرجة ان هذا الاعتقاد اثر على عدم نشر المخطوط بمعنى انه كان السبب في عدم نشر المخطوط، كما قال عبداللطيف، عندما سألته عن السبب في عدم نشر المخطوط ولكن بعد أن قرأت المخطوط وجدت ان موقف عائلة عبد اللطيف كان موالياً للاردن ومع وجهة نظر الاردن في تلك الفترة وان العائلة وتحديدا والد عبداللطيف كان رافضا لحكومة عموم فلسطين ومبايعا للمغفور له الملك المؤسس عبد الله بن الحسين.
وهنا اشير ان علاقة عائلة عبداللطيف مع الملك عبد الله بن الحسين في تلك الفترة كانت قوية وان الملك زار المنطقة وحلّ ضيفاً على العائلة ذات التأثير القوي في ست عشرة قرية في منطقة القيسية التحتا. لقد استقبل عبدالرحمن العزة (والد كاتب المخطوط) الملك عبد الله في قريته بيت جبرين وكان عبد الرحمن شيخها بلا منازع.
* المصريون ينشطون في المنطقة:
إذا نظرت للخارطة تجد ان بيت جبرين تقع غرب الخليل وجنوب بيت لحم وشمال شرق غزة، ولا شك ان هذا الموقع الاستراتيجي قد ساعدها على الاتصال بالاردن ومصر خلال حرب 1948م ولا عجب ان يفكر فيها المصريون لاسباب جغرافية وتاريخية وان تكون مقراً لحكومة عموم فلسطين.
* التأثير المصري المبكر في المنطقة:
كان المصريون سباقين للتعامل مع اهالي المنطقة بتدريبهم على السلاح واستعانوا بشيخ العزة عبد الرحمن واعطوه رتبة زعيم (عميد) وسيارة قادها ابنه عبد اللطيف (كاتب المخطوط) بنفسه.. ومن يومها فتحت قناة قوية بين عبداللطيف والمصريين وبخاصة (حسن التهامي) من المصريين وعندما قامت ثورة 23/يوليو واستولى الجيش على السلطة فان الضباط المصريين الذين كانوا في المنطقة ومنهم التهامي وعبدالناصر وغيره لم يتغيروا في موقفهم مع عبداللطيف واعتمدوا عليه كثيرا على النحو الذي سنلاحظه..
* حسن التهامي محط اعجاب الشباب:
كان حسن التهامي (ملازم اول) في حرب فلسطين وقائدا لسرية في (عرتوف) وفي تلك المنطقة كان قاسم الناصر قائدا لسرية اردنية. لقد صاهر قاسم آل العزة وزاد ذلك في توطيد اواصر العلاقة ما بين قاسم وآل العزة....
ومن الضباط المصريين ظل اسم حسن التهامي مميزا في نفوس الشباب في تلك المنطقة والسبب جرأة حسن التهامي في تلك الفترة وتمرده على الاوامر التي كانت تكبل يد الشباب في مواجهة اسرائيل، لقد قاد حسن التهامي مجموعة من شباب المنطقة واستولى على ثمان سيارات اسرائيلية فيها تموين وسلاح في (بوايك).
وعند الانسحاب من الفالوجة فان حسن رفض الانسحاب دون سلاح بمعنى انه اصر على ان ينسحب الجيش المصري وسلاحه معه لان هناك خطة قضت ان ينسحب المصريون دون سلاح مما قد يعرضهم للابادة من القوات الاسرائيلية التي حاصرتهم في جيب الفالوجة.
على العموم، فان تصرفات وشجاعة حسن التهامي قد ألّهبت مشاعر الشباب اليائس آنئذ.
* فاروق يستدعي عبدالرحمن:
استدعى الملك فاروق عبدالرحمن العزة لمصر في تشرين الاول 1948... وادخل اولاده في الجامعات المصرية وتبين ان خطة المصريين اقامة حكومة عموم فلسطين في قرية بيت جبرين وان يكون بيت (عبدالرحمن) مقرا لتلك الحكومة.
ولكن عبدالرحمن لم يقبل بذلك بل اراد ان تكون القدس عاصمة لفلسطين وطالب باستعادة اللد والرملة واقامة حكومة هناك.
* إنسحاب المصريين:
تأسست حكومة عموم فلسطين في اليوم التالي! وانسحب المصريون من بيت جبرين... ذهب عبدالرحمن للملك عبد الله بن الحسين طالبا النجدة ولكن الملك طمأن عبدالرحمن ان النقراشي باشا (رئيس وزراء مصر) طمأن الملك ان موقف المصريين (قوي) وانهم باقون في بيت جبرين.
لكن الشيخ محمد علي الجعبري جاء للملك عبد الله ووضع مفاتيح الحرم الابراهيمي في رقبة الملك وابلغ الملك ان المصريين انسحبوا فعلا من بيت جبرين. وطالب الملك بتدخل الجيش فأرسل (كلوب) الضابط (لاكيت) مع خمس مصفحات اعطب الاسرائيليون ثلاثا منها وذهب الباقون الى (تراقوميا).
وفي 27/10 استولى الاسرائيليون على بيت جبرين ونشط عبد الرحمن في تأييد الوحدة مع الاردن والحفاظ على باقي فلسطين من وجهة نظره لا يكون الا بالوحدة مع الاردن لعدم وجود سلطة عربية هناك.
* تأييد عبدالرحمن لمؤتمر اريحا:
ونشط عبدالرحمن في تأييد مؤتمر اريحا الذي عقد في تلك الفترة وبعد خمسة ايام من مؤتمر اريحا قتل عبدالرحمن ونشرت «روز اليوسف» خبر مقتله في 15/12/1948م. اثارت سرعة نشر الخبر تساؤلات عديدة!!!
* المصريون يبادرون بالاتصال مع عبداللطيف بعد ثورة يوليو:
بادر حسن التهامي بالاتصال مع عبد اللطيف بعد ثورة (23يوليو). كان عبد اللطيف يعمل في دائرة الحراج في تلك الفترة، وفي مطار القاهرة استقبل التهامي بنفسه عبداللطيف وفي اليوم التالي اصطحبه الى مجلس قيادة الثورة وقابل عبدالناصر وصلاح سالم وزكريا محيي الدين. تركز حديث المصريين على تحرير البلاد العربية من النفوذ البريطاني.
* في مكتب حسن التهامي:
استمر الحديث في مكتب حسن التهامي وكان الحديث اكثر تفصيلا هنا، فالمصريون يبحثون عن ضباط اردنيين وعن اضراب وتجمعات وطنية.
ارسل حسن التهامي قريبا له (سليمان عزت) في 20/12/1953 ليقابل بعض اللاجئين الفلسطينيين.. وقابل سليمان احد المسيحيين الذين خرجوا من اسرائيل بمناسبة عيد الميلاد وقابل ضابطا اردنيا واعتبر اول ضابط من الضباط الاحرار.
* تعليق:
وهكذا فان النشاط المصري في الاردن بدأ... وتلاحظ ان المصريين كانوا مبادرين وان حسن التهامي هو حجر الرحى في هذه الاتصالات... وتلاحظ ان بريق الثورة المصري ويأس الناس والكراهية لبريطانيا ساهمت في الاستجابة السرية لطلبات الضباط المصريين الذين ظهروا في الوقت المناسب بالافكار المناسبة... وتلاحظ ان الادوات بسيطة جدا وهي اتصالات اشخاص حسن التهامي مع سليمان عزت مع عبداللطيف... مع الاخرين... ولولا استعداد الناس وحماسهم لما نجح المصريون في ذلك.
كانت هذه القنوات على بساطتها فعالة جدا ذلك ان حسن التهامي طلب من عبداللطيف اغتيال (كلوب) ولولا ضربة حظ لتم ذلك.. ووزع عبداللطيف (مناشير) الضباط الاحرار وكان اول منشور من مصر وفيه خطأ اذ كُتب التاريخ بالطريقة المصرية 16/يناير 1954م ولكن عبد اللطيف غيّره حتى لا يكشف مصدره.. لقد طبع عبداللطيف المنشور ووزعه وطبع المنشور الثاني ولكن لم يصل لأحد اذ اكتشف (كلوب) ذلك ولكن تم توزيع باقي المناشير.
* مزيد من النشاط المصري في الاردن:
ظل حسن التهامي يوجه دفة الاتصالات في الاردن وبشكل عام لم تهدأ المبادرات المصرية فلقد قابل ثروت عكاشة سفير مصر في باريس (الملك حسين) ودار الحديث عن الضباط الاحرار وابعاد القيادة الانجليزية دون سفك دماء.. وفي الاردن جاء سكرتير جمال عبد الناصر (عبدالرحمن مخيون) وكلُف حسن التهامي عبداللطيف بمرافقته.. وغير المصريون خطتهم في اغتيال (كلوب).
وفي انتخابات تشرين 1954م كان الوجود المصري فعالا اذ جاء قريب حسن التهامي ومعه حسن بلبل من مؤسسي الجهاز الامني في مصر لمراقبة الانتخابات.
* قنصلية مصرية في القدس:
نشطت مصر اكثر في الاردن وابلغ حسن التهامي عبد اللطيف بعد زيارة عبداللطيف لمصر بعد الانتخابات ان مصر سوف تفتح قنصلية فيها محمد محمود عبدالعزيز ومعه ضابط (باسم مستعار) هو امين عز الدين.
* مزيد من الاتصالات:
وفي ايار 1955 زار سليمان النابلسي وعبد الحليم النمر وسعيد العزة (وغيرهم) مصر وقابلهم حسن في المطار ودار الحديث عن التعريب والمساعدات المالية للاردن وانهاء المعاهدة.
وعندما عادوا للاردن كان تركيز حزب البعث على أخذ المعونة من مصر فقط واهمل باقي الشعارات: الغاء المعاهدة والتعريب..
تعليق:
كان التسلسل المطلوب من مصر هو التعريب ثم انهاء المعاهدة ثم المساعدات.. ولكن الاردنيين العائدين من مصر لم يلتزموا بذلك.. ولذلك حضر حسن التهامي من مصر واجتمع مع البعثيين وقادة الحزب الوطني الاشتراكي على سطح الكلية الابراهيمية التي يمتلكها (نهاد ابو غربية) واصر حسن على التسلسل السابق. واصر حسن التهامي على نفس التسلسل في بيت حكمت المصري في نابلس واستجاب سليمان النابلسي لذلك... في حين كان موقف البعثيين مختلفا كما لاحظنا ووصل موقف حزب البعث الى الجيش ومن وجهة نظري فان حزب البعث استغل الجيش لتحقيق هذه الناحية. وقد اكد لي في احد اللقاءات التي علق فيها الاخ نذير رشيد على احداث تلك الفترة ان البعث استغل الجيش في تلك الفترة او بالتعبير الادق استغل بعض الافراد!
ومن وجهة نظري فان مصر في تلك الفترة امتلكت الادوات المناسبة وان شخصا مثل حسن التهامي كان يقوم بالكثير الكثير نيابة عن الرئيس وان مصلحة مصر هي الاطار الذي كان يتحرك فيه وعندما كان يخاطب الاخرين كان يحدثهم بمفردات مصلحتهم مثلا عندما كان يتحدث مع عبداللطيف العزة كان يقسم له على تحرير فلسطين..
وبهذه الادوات البسيطة فان مصر قاتلت بريطانيا والنفوذ البريطاني في الوطن العربي... لقد ظل المصريون على صلة بشخص توسموا فيه خيرا لاهدافهم وتحقق الكثير وهذا موضوع يستحق العناية عن اهمية الادوات في القيادة ودورها في انجاح السياسة وهذا الامر برعت فيه مصر في حين ان اخرين كانت لهم فرص افضل في التعامل مع نفس الادوات.
ولاحظت ان مصر دعمت عبداللطيف عندما قام بصفقات تجارية في الخليج لاحقا وسهلت له الطريق وفاء لعلاقة سابقة معه بالرغم من ان الظروف تغيرت وظل عبد اللطيف على علاقة مع حسن التهامي حتى اخر لحظه من حياة عبداللطيف وظل عبداللطيف يحدثك عن مواقف حسن عام 1948م بكل تقدير بالرغم مما قيل عن دور حسن التهامي في المفاوضات السرية التي ادت الى توقيع معاهدة السلام بين مصر واسرائيل.