المقابلة التي أفقدت الإسرائيليين صوابهم
عريب الرنتاوي
09-04-2010 04:38 AM
سننظر إلى مقال اريئيل سيغال في معاريف بالأمس ، بوصفه تعبيرا عن الضيق الإسرائيلي بالانتقادات غير المسبوقة التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين لإسرائيل وحكومة اليمين واليمين المتطرف فيها ، وسنرى فيها امتدادا لـ"رفض" أفيغدور ليبرمان للمواقف التي تضمنها حديث الملك لصحيفة وول سترتيت جورنال.
وسنقول لتيار اليمين المتشدد الآخذ في التمدد والانتشار على مساحات متزايدة من الخريطة السياسية والحزبية في إسرائيل ، ما يلي:
أولا: أن الحديث عن الأردن كجزء من الدولة الفلسطينية (وفقا لأريئيل سيغال) أو عن حل القضية الفلسطينية في الأردن وعلى حسابه وحساب الفلسطينيين معا (أريه إلداد) لم يعد فزاعة تخيف أحدا ، بل ولم يعد يعتد به كوصفة لاثارة مخاوف وشكوك ، أو زرع البلبلة والتساؤلات ، فالأردنيون جميعا والفلسطينيون جميعا ، باتوا اليوم أكثر من أي وقت مضى ، يعرفون عدوهم من صديقهم ، وهم اليوم أكثر من أي وقت آخر ، أصبحوا أكثر وعيا ودراية بأطماعكم التوسعية وأحلامكم السوداء ، وهم ما كانوا يوما موحدين كما هم اليوم في مواجهة عدوانيتكم المنفلتة من كل عقال ، وعندما يجد الجد وتحين ساعة الحقيقة والاستحقاق ، فلن تجدوا أبدا من بين صفوفهم لا سعد حداد ولا سمير جعجع.
ثانيا: أن النبش في التاريخ على طريقة برامج الإثارة السياسية ، ما عاد سلاحا ماضيا ولا سيفا مضّاء ، وأقترح على "عباقرة" التحريض وخبراء زرع الفتن "أن يغزلوا بغير مسلة أيلول الأسود" ، فهذه صفحة طويت إلى غير رجعة ، وأكثر من نصف الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء ولدوا بعد العام 1970 ، كما أن العلاقة الأردنية السورية أقوى وأمتن من أن تخضع لاختبار كاتب مأفون أو صحيفة حاقدة ، وقد مرت في اختبارات صعبة عدة ، واجتازتها بنجاح.
ثالثا: أن إسرائيل لم تعد "القدر الذي لا راد له" ، ولا الدولة التي لا تقف توسعيتها وعدوانيتها عند حد ، فمن الناحية العسكرية عليكم أن تتذكروا أن آخر حرب خاطفة وآخر انتصار واضح (غير مختلف عليه) حصلتم عليه في العام 1967 ، وبعد ذلك ، ومنذ وحدة الدم الفلسطيني- الأردني في الكرامة مرورا بحرب الاستنزاف على ضفتي قناة السويس الممهدة لنصر أكتوبر وعطفا على صمود بيروت الأسطوري وانتهاء بملحمة تموز 2006 والصمود الفلسطيني الباسل تحت الرصاص المصبوب على نساء غزة وشيوخها ، لم تحققوا نصرا مؤزرا ، وكل حرب خضّتموها انتهت بلجان تحقيق وتقص للحقائق ، وعاما بعد عام ستجدون صعوبة أكبر في الحفاظ على صورة "الجيش الذي لا يقهر" وصيانة قوة الردع الإسرائيلية ، لقد انتهى هذا الزمن وستنتهي قريبا الغطرسة والعنصرية اللتان ميّزتاه.
رابعا: لن نؤخذ أبدا بخرافة "قدرتكم اللا منتهية" على التوسع والاستيعاب و"من النيل إلى الفرات" ، فانتم تختنقون بنتائج احتلال 67 ، وشعب فلسطين في الضفة وغزة والقدس يمطر أحلامكم السوداء بالمزيد من الكوابيس ، وعمّا قريب ستجدون صعوبة في هضم نتائج احتلالكم الأول عام 1948 ، عندما ينقلب ميزان الديموغرافيا ويشتد عود حقوق الإنسان والحقوق المدنية والصوت الواحد للناخب الواحد ، عندها ستتأكدون أن الدولة الفلسطينية ستتوسع غربا وليس شرقا ، وأن الشرق لأهله الذين سيطيب لهم الاستمتاع بأفضل علاقات الأخوة مع أهلهم غرب النهر.
لقد أنصفكم الملك حين قارن وضعكم على الساحة الدولية بوضع كوريا الشمالية ، فأنتم تعلمون ونحن نعلم ، أنكم تخسرون مواطئ أقدامكم الواحد تلو الأخرى على كل ساحة وصعيد ، وأن جنرالاتكم الذين كانوا يوما مفخرة العسكرية الغربية ، يتسللون كالجرذان إلى مطارات الغرب في رحلة الذهاب والإياب ، مسكونين بإحساس المجرم الطريد والمطارد ، وقريبا ستجدون من سيقارن وضعكم بنظام بول بوت البائد في كمبوديا ، فقد ولى زمن الأسطورة التي راجت عن "واحة الديمقراطية في صحراء الشرق الأوسط القاحلة" أو الزعم السخيف بأنكم والغرب تشتركون في ذات المنظومة القيمية ، قيمكم اختبرتها جنوب أفريقيا زمن الفصل العنصري والأبارتهيد ، وقيمكم اختبرتها النظم الاستعمارية والعنصرية ، ويكفيكم عارا بأنكم آخر استعمار في القرن في الحادي والعشرين.
الدستور