** القاسم المشترك بين الثري والمفلس لدينا ان كليهما "زعلان"..
تقف عند الاشارة الحمراء ، وتكتشف ان الكل يرسم "كشرة كبيرة" على وجهه ، ومن كانت سيارته افخم ، ينظر بدونية الى من سيارته ارخص ، ومن سيارته ارخص ، ينظر بحقد الى من سيارته اغلى ثمنا. الكل مُستفز ، والكل غاضب ، ونظرة عابرة قد تُشعل معركة بين اي اثنين يقفان عند اشارة حمراء ، او صفراء.
تذهب الى المخبز ، ولا احد يرغب حتى بالنظر الى وجه الاخر ، قد ترد السلام على من لا تعرفه ، فيرد مُتثاقلا مع كشرة شديدة ، وسؤال يرتسم في عينيه عن سر طرحك للسلام ، باعتبار ان الرد على السلام ينتقص من كيانه وهيبته. موظف "الكاش" يرسم على وجهه كشرة شديدة ، ويتعامل مع الزبائن بقرف ، لانه يعتقد ان الزمن جار عليه ، وعمل في هذه الوظيفة ، وصاحب المخبز ، ينظر بغضب الى عماله وزبائنه ، ايضا ، لانه يظن ان العمال يسرقونه ، ويظن ان الزبائن لا يدفعون سعرا عادلا.
تذهب الى دائرة حكومية ، والموظف يلعن "حالو" ويلعن المراجعين ، والمراجعون يلعنون "المعاملة" التي اجبرتهم ، على الوقوف في الطابور ، والكشرة الشديدة مرسومة على وجوه الجميع. لا احد يضحك. او يبتسم. وكأن الابتسامة عيب من العيوب الكبرى. حتى في البيوت لا يضحكون ، وفي المثل اذا ضحكوا في جلسة سهر ، يقولون اللهم اكفنا شر الضحك ، والابتسامة. الا تلاحظون ان اغلبنا يستيقظ من النوم ، وهو "معصّب". وكأنه عائد من "هوشة" في المنام.
العصبية ، تسري في العصب العام.والغضب يتسلل عبر الماء ربما. التفسير الاقتصادي مُقنع لكنه غير كاف. لانك تجد من هو ثري ولا يبتسم ايضا. القاسم المشترك بين الثري والمفلس لدينا ان كليهما "زعلان". الاول يريد مزيد من الملايين ، والثاني يريد المزيد من الملاليم. في المُحصلة تغير المجتمع. لا احد يحتمل الاخر. كلمة واحدة كفيلة بأشعال مذبحة في اي مكان. التسامح يتراجع ، لصالح مبدأ جديد يقول لا تسامح.. لا تسامح..لا تسامح. تعود من خارج الاردن كطفل ، عطشان ، فرحا ، انك تعود الى بيتك الكبير ، فتبدأ حُقن العصبية والكشرة تتسلل الى جسدك في المطار من ختم الجواز الى حزام الحقائب الى سائق التاكسي ، فتتذكر انك في عّمان.
قيل لشيخ كبير عادل انك يا شيخ تتسم بأنك عادل وتحل كل المشاكل الصعبة ، التي تأتي اليك بين الناس والفرقاء ، فكيف ذلك. قال اذا جاء الي خصمان ، احدهما طيب والثاني رديء ، فانني اميل على الطيب وآخذ منه واعُطي الرديء فتنتهي المشكلة ، واذا جاء الي خصمان يتسم كلاهما بالرداءة ، فانني آخذ من طيبتي واعُطي كليهما فيخرجان وقد حُلت المشكلة. الذي سأل الشيخ عاد وسأله واذا جاءك خصمان "طيبان" فماذا تفعل؟. فرد الشيخ بحكمة بالغة. الطيبان لا يأتيان اساسا. لانهما لن يصلا الى مرحلة التقاضي. هذه روحية الكبار التي كنا نتسم بها. اين ذهبت ، ومن سرقها من حياتنا.
الكرم ، الطيبة ، الاصالة ، النخوة ، التسامح. الصبر. كل هذه القيم العربية الاصيلة التي يتسم بها اهلنا في كل مكان ، ما زالت موجودة. المؤسف اننا بتنا نلحظ ان القيم مُهددة. الصبر يتراجع. التشنج يزيد ، والغضب والحرد والاستفزاز قيم جديدة. هل الفقر هو السبب. اشك في ذلك ، وان كان احد الاسباب. السنين الاخيرة غيرت المجتمع. الثقافة الاستهلاكية. التنافس. الغيرة. الحسد.ضيقة العين. الطبقية. وسائل الاتصال. وكل القصص الاخرى ، تأخذنا الى مجتمع جديد ، لا يعرف فيه الواحد الاخر. وكأننا بأنتظار حرب كبرى.
ناقشت صديقا في القصة ، فتعترف لي انه يعاني من ذات القصص ، لكنه صدمني حين قال انه حين لايجد شخصا يُكشّر في وجهه ، او ينظر اليه بغضب ، فانه يجلس مع نفسه وحيدا ، فيخاصم حاله ، ويعاتب حاله ، ويلوم حاله ، ويكره حاله. نوع جديد من الغضب ، يستبد بالبعض ليلا ، ونهارا. الصديق الصريح يقول ان ضغوطات الحياة تجعل الانسان يأكل نفسه وغيره في حالات اخرى. ربما. لا اعرف. الواحد منا بات كما يقول المثل الشعبي "ايده والهواه". تبسمك في وجه ارادة الله فيك وفي حياتك ، نعمة ، وعبوسك لا يجلب سوى شقاء الروح ، فوق شقاء الحياة.
كأن تحت اقدامنا الريح ، وكأن بين كل واحد فينا والاخر ، قصة،،.
mtair@addustour.com.jo
الدستور