تجاذبات انجاح عملية التعليم عن بعد
فيصل تايه
07-12-2020 09:11 AM
ان تجربة التعليم عن بعد ليست وليدة الأزمات كما يعتقده الكثيرون ، إنما هي تجربة عصرية غنية تواكب التكنولوجيا لجعلها وسيلة حضارية تتخطى كل الحدود وتفتح آفاق المستقبل ، لكن حاجة التعليم في حالات الطوارئ ، وخاصة ضمن الظروف التي اجبرتنا عليها جائحة كورونا ، فرضت ضرورة حتمية لمواكبة التكنولوجيا الحديثة واعتماد الوسائل العصرية التي باتت مطلبا متوفراً وضرورياً ، ولتكون بمتناول ابنائنا لتوجيههم لحسن الاستفادة منها ومن آفاقها الواسعة الرحبة ولتتخطى المسافات والظروف وتجعل أي بقعة في العالم مقعدا دراسيا ومنصة تعليمية .
أن القطاع التعليمي في الاردن بشقيه العام والخاص يزداد إستعدادا للتعامل مع المنصات الإلكترونية وبرامج التعليم عن بعد ، كاحد الوسائل الحديثة في التعليم ، فالكثير من المدارس الخاصة وفي معظمها ، كانت لديها تجربتها الخاصة في ذلك ، وكانت لديها برامجها التربوية المستنده الى مرجعيات تقنية متطورة ، بالتشارك مع جهات تربوية متخصصة محلية واقليمية ودولية ، ليكون هذا النوع من التعليم جزءً اساسياً من منظومتها التعليمية المتطورة ، لذلك فقد كانت تعمل على التهيئة الاساسية لكوادرها العلمية والتعليمية والادارية ، وتحضير طلابها ومواكبتهم لاستعمالها ولو بشكل جزئي ، فكان وقع الجائحة عليهم أقل تاثيراً ، فالتحول الى التعليم عن بعد جاء على نحو من السلاسة بالتزامن مع الحضور في الصفوف الافتراضية أو للتعامل مع الأدوات التكنولوجية بشكل عام بحيث لم يشكّل قرار التعليم عن بعد مفاجأة مقلقة لهم .
ان ما شهدناه من الانتقال من التعامل الجزئي والاختياري الى التعامل الكلي والالزامي لهذه الوسائل العلمية المتطوّرة شكّل تحديا من جهة وفرصة من جهة أخرى ، فما كان ذلك ليحصل لولا هذا الضغط الطارئ لاعتمادها ، فكان لا بد من التمرّس عليها واعتمادها في ظل عالم يتّجه الى تخطي المسافات ويبني عالما إفتراضيا من خلال منصات التعليم عن بعد باستخدام لغة العصر وتقنياته ، ليجدوا أساساً في المنصات الالكترونية المكان الأنسب للتواصل لتنفيذها ، ما يساعد التعليم عن بعد بإيجاد الإطار المناسب واستخدام المنصات الأفضل رسميا لهذا الغرض بدل اختيار كل مجموعة لوسيلة الكترونية مختلفة ربما لا تجتمع فيها كل المزايا والخدمات المطلوبة والممكنة.
إننا ونحن نعيش التجربة ، يجب أن ننظر من الجانب الإيجابي لعملية التعليم عن بُعد ، مع أهمية دمج اولياء الامور في العملية التعليمية من خلال إشاعة الإيجابية والتفاؤل ، باعتبار ولي الامر عنصرا مهما للتفاعل أكثر مع أبنائه ، مع أهمية الدعم الذي يقدمه ولي الأمر لأبنائه خلال هذه الفترة ، فما فرضته الظروف الصحية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا ، يملي على وليّ الأمر استعادة دوره المفقود خلال العقود الماضية ، مع ضرورة أن يكون الأبوان جزءاً من العملية التعليمية، ويتحملا مسؤوليتهما عن تعليم ابنائهم .
إن عملية التعليم عن بُعد مكنت من التعامل مع أمهر المعلمين الموجودين ، خاصة عبر المنصات او القنوات التعليمية المتاحة ، ذلك بتقديم دروس نموذجية من قبل أكثر المعلمين خبرة ، ما يساعد الطالب على تحصيل أعلى قدر ممكن من الفائدة وفق درجة استيعابه ، مع ضرورة إشاعة الأجواء الإيجابية من قبل الأهل بشكل مباشر أو غير مباشر والحث على التواصل وانجاح التجربة ، والتوقف عن التذمر والسلبية والتوتر ، فالتعليم عن بُعد فرصة كبرى لوجود بدائل ستطور في المراحل التي تلي هذه الأزمة ، وهي فرصة لاختبار القدرات في هذا المجال حيث ان من واجب الأسرة وهي شريك المدرسة تحقيق التوازن النفسي لضمان نجاح تجربة التعليم عن بُعد .
الملاحظ أن التعليم بحد ذاته ، كان يشكل وضعاً لم يكن ظاهراً من التوتر والقلق في الأسرة ، فكانت له آثار سلبية على علاقة الآباء بأبنائهم ، حيث كان " الحِمل " اغلبه على المدرسة ، مما أثر ذلك على علاقة الطالب بالمدرسة التي كان يقضي فيها ثلث يومه على مدار معظم شهور السنة ، لياتي التعليم عن بعد ليحول ذلك إلى مصدر للقلق ، فالجميع يعلم أهمية التكنولوجيا كوسيلة تسهل وصول المعلومة وخاصة لحب ابنائنا لها ولقضاء أوقات طويلة بالجلوس معها ، ولكن عندما يشعر الطالب أن هذه الوسيلة اصبحت خياراً حتمياً للتعلم سيكرهها ويشعر بأنه لا يريد الجلوس معها ، وحقيقة فأن الأسرة في هذا الصدد لها دور كبير جدا للحالة النفسية التي وصل لها أبناؤنا ، خاصة من وقت إعلان توقف التعليم بالمدارس والإعلان أن التعليم عن بُعد ، وهذا يرجع لدور الأسرة الكبير وقربهم من ابنائهم ومتابعتهم لتحصيلهم الدراسي ، ففي هذه الظروف تحدياً بيدهم التخفيف من توتر أبنائهم ، فالهدف الأسمى من دور تعليم الأهل لأبنائهم في ظل الدراسة عن بعد يتمثل في حرصهم على مساعدة أبنائهم في الحصول واكتساب المعرفة من خلال الوسائل الحديثة ، وكذلك تسهيل عملية الاستيعاب لدى أبنائهم خلال تلقيهم الدرس في ظل الدراسة عن بعد ، بالإضافة إلى بعض المهام اليومية التي تختلف من أسرة لأخرى بحسب نمط الحياة المعتاد لديهم ، والتي تساعد على تحفيز الطلاب وتشجيعهم على المذاكرة والتحصيل، فكل أسرة تعرف اهتمامات ابنائها ، وهواياتهم فتقوم بربط هذه الهوايات بالعملية التعليمية ، من أجل الوصول لأكبر قدر من التحصيل.
بقي ان اقول إننا مقبلون بالضرورة على عصر جديد من المعلوماتية "بكورونا وبغير كورونا" ولا شك أن أبناء هذا العصر من فلذات الأكباد مختلفون تمامًا عنا ، وهو ما يحتم علينا جميعًا أن نخطط لهم من الآن ، إن لم نكن قد تأخرنا قليلاً عن موكب الحضارة وثقافة المعرفة ، ولا شك أيضًا أننا قد شعرنا بالعالم من حولنا مع اختلاف ثقافاته وهو يسرع بخطوات حثيثة نحو عالم تقنية المعلومات بشكل كبير ، ولا شك أيضًا أن علينا من الآن ترتيب الأوراق في بناء جيل المستقبل في عصر المعلومات بوضع استراتيجيات تفعّل من التعليم والتدريب والتعلم عن بُعد إلكترونيًّا بخطوات واثقة ، ولنستفيد من تجربتنا الحالية بالتغذية الراجعه التي تمكننا من وضع السياسات التي يمكن ان تحقق الاهداف المرجوة ، وبلا شك ان دور اولياء الامور سيكون دوراً محورياً كشركاء فاعلين ، وهو الاساس في انجاح التجارب المستقبلية المتعلقة بذلك .
وللحديث بقية