ان خسارة ترمب أمر غير مأسوف عليه حتى للذين اضطروا للتقرب منه في عديد العواصم في العالم والتعامل معه من باب الضرورة واكتشفوا بتقربهم هذا مدى جهله وتخبط قراراته وهم الذين تملكتهم الريبة منه ومن مستقبل العلاقة معه، فجاءت خسارته كخبر مفرح ومؤلم لهم في الوقت ذاته، وحالهم كحال من تخلص من اللعب مع الدب في ظلام دامس.
وفي المقابل كان غياب ترمب مناسبة للفرح في معظم دول اوروبا وروسيا والصين وكندا ولدينا في الشرق الاوسط وبخاصة في الاردن وفلسطين بعد ان ناصبنا العداء الوجودي بتحالفه السياسي والعقائدي والعملي مع اليمين الصهيوني ممثلا بنتانياهو والليكود في اسرائيل، والصهيونية الانجيلية في اميركا والعالم من خلال مشروع «صفقة القرن» الذي ينهي القضية الفلسطينية برمتها كقضية ارض وشعب ووطن ويحولها الى قضية «فائض بشري» بلا هوية يبحث عن عيش في جغرافيا ما؟
لكل ما سبق كان فوز جو بايدن وكأنه انتصار لنا نحن العرب على ترمب، مع اننا لا نملك الا حجز التذاكر لمشاهدة المباراة او السباق، فنحن العرب وبكل اسف لا دور لنا داخل المعادلة الاسرائيلية الا بدرجة معينة ومن خلال اهلنا في الداخل المحتل وهو دور آخذ في التعاظم مع الزمن، كما ان لا دور لنا في المعادلة الاميركية.
فرحنا بفوز بايدن يعوزه بعض الرشد والتعقل وعلينا ان نتذكر تاريخ الرجل الذي كانت اولى خطواته في تسويق ذاته وبعد انتخابه عضوا في مجلس الشيوخ عام 1973 الالتقاء بغولدا مائير التى كشفت بوضوح في كتابها «حياتي» عن مدى حقدها على العرب، واستمر بايدن بالتواصل الحار مع قادة الاحتلال منذ ذلك التاريخ، فهو بالنهاية يبحث عن مصالح اميركا بالدرجة الاولى ويوازنها بدرجة دقيقة، فالقضية الفلسطينية وبعد هذه السنوات من الاهمال العربي لمركزيتها وانشغال العالم بازمته الاقتصادية منذ عام 2008 والى اليوم مضافا لذلك الغرق في ازمة كورونا وتبعاتها الكارثية على كافة الاصعدة، كلها عوامل تجعل بايدن محكوما بمصالح اميركا قبل اي شيء واكثر من اي رئيس اميركي اخر ولذلك فان القضية الفلسطينية لن تكون في راس سلم اولوياته ان لم تكن في اخره.
كان اوباما ومازال الاب الروحي لبايدن وهو الذي استنزفنا باشغالنا في اكبر عملية تضليل للعقل العربي باسم «الربيع العربي» وكان شعاره «دمقرطة الوطن العربي» اقرب ما يكون لادخال العالم العربي في دوامة من الفوضى صبت في صالح اسرائيل ومعها تركيا وايران.
في اميركا الرئيس لا يحكم بمفرده فهو احد عناصر منظومة الحكم وبايدن ليس استثناءً.
(الرأي)