ثلاثي اللقاحات المرتقب .. أيها الأنسب للأردن؟
د. عيسى أبودية
06-12-2020 01:34 PM
تسبب فيروس كورونا المستجد منذ ظهوره في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019 بما يزيد عن 65 مليون إصابة ومليون ونصف مليون حالة وفاة حول العالم. وللسيطرة على هذا الوباء، سخَّرت الكثير من الجامعات والمراكز البحثية وشركات الأدوية جُلَّ مواردها ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الجائحة في محاولة إيجاد لقاحٍ فعّال وآمنٍ ضده.
حسب موقع منظمة الصحة العالمية، فإنه ومع بداية الشهر الحالي، هناك أكثر من 200 دراسة مُسجَّلة رسمياً لغرض تصنيع لقاح محتمل لكورونا، 53 منها في مراحل متنوعة من التجارب السريرية على البشر. أما اللقاحات التي شارفت على إنهاء المرحلة الثالثة والأخيرة أو على أخذ الموافقة النهائية على التصنيع والتوزيع لتكون جاهزة للاستخدام قبل نهاية عام 2020 فتعود لثلاث شركات هي:
١- شركة فايزر الأميركية بالتشارك مع شركة بيو ان تك الألمانية ٢- شركة موديرنا الأميركية ٣- شركة أسترازينيكا البريطانية-السويدية بالتشارك مع باحثين من جامعة أكسفورد البريطانية. فما أوجه التشابه والفروقات بين هذه المطاعيم الثلاثة التي سنراها في الأسواق العالمية عمّا قريب؟ وأي منها نفضل أن نراه في مستودعات أدويتنا ومستشفياتنا وصيدلياتنا ومراكزنا الصحية في الأردن لو توفرت لنا فرصة الاختيار؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
إن ما يجمع بين هذه اللقاحات الثلاثة هو أنها جميعاً أوشكت على الحصول على الموافقة النهائية للجهات الصحية المختصة نظراً لفعاليتها في درء المرض عن المستخدم وسلامة استخدامها متمثلة في محدودية الأعراض الجانبية التي تتسبب بها للمتلقي في الأيام التي تتلو أخذ اللقاح. كما تتشابه هذه اللقاحات الثلاثة أيضاً في عدد الجرعات التي يتوجب على الإنسان أخذها للحصول على الحماية الكافية من الفيروس وهي جرعتان يفصل بينهما 3-4 أسابيع من الزمن. فما هي أوجه الفروقات إذاً، وكيف نفاضل بين هذه الخيارات المُتاحة؟
يكمن الفرق الأساسي بالتكنولوجيا المستخدمة قي تصنيع هذه اللقاحات. فبينما تستخدم فايزر وموديرنا تكنولوجيا الحمض النووي mRNA المُخزِّن لشيفرة البروتين الشهير سبايك الموجود على سطح الفيروس والذي يستخدمه للارتباط بمستقبلات خاصة به على الخلايا البشرية، تستخدم شركة أسترازينيكا ناقلات فيروسية آمنة طورتها شريكتها جامعة أكسفورد.
أما تكنولوجيا mRNA سابقة الذكر ففكرتها الأساسية إحاطة الحمض النووي الريبوزي (RNA) بفقاعة دهنية نانونية الحجم وحقن الإنسان بها بحيث تتمكن هذه الشيفرة من الوصول إلى داخل خلايانا المتواجدة في منطقة الحقن لتعمل خلايانا على ترجمتها باستخدام مواردها ومعداتها الخلوية إلى بروتين السبايك الخاص بفيروس كورونا والذي بدوره يصبح متوفراً لخلايا جهاز المناعة المتنوعة للتعرًّف عليه وتطوير مناعة ضده تحمي الجسم في حال حصول هجوم حقيقي من قبل الفيروس في وقت مستقبلي.
من جهة أخرى، يستخدم لقاح أكسفورد تكنولوجيا الناقل الفيروسي من نوع أدينوفيروس والذي يعود في أصوله إلى فيروس يصيب قردة الشمبانزي وليس البشر بالزكام. وقد تمكن الباحثون من إجراء تعديلات عليه تجعل منه غير قادر على التكاثر داخل الخلايا ليصبح أشبه ب «حصان طروادة». مركبة بيولوجية يركب بها الجين المُخزِّن لبروتين السبايك لكورونا ويعتمد الجين على هذه المركبة الفريدة لاختراق الخلايا الموجودة في منطقة الحقن فيصل إلى قلب الخلية التي بدورها تحوله من DNA إلى RNA ومن ثم إلى بروتين سبايك ناضج جاهز لشحذ قدرات جهاز المناعة على محاربة الفيروس مستقبلاً ومنعه من التسبب بالمرض.
تنبثق من تعدد تكنولوجيات التصنيع اختلافات أخرى مهمة وهي:
-تكنولوجيا لقاحات mRNA سريعة وفعّالة ويمكن تصنيعها في المختبر دون الحاجة للاستعانة بخلايا بكتيرية أو خلايا خميرة أو غيرها، إلا أنها تكنولوجيا غير مُجرَّبة ولم يتم اعتمادها لإنتاج أي لقاح بشري من قبل مما يعني أنه لا يمكننا التكهًّن بطول المدة الزمنية للحماية التي سيوفرها هذا النوع من المطاعيم ولا بأي مشكلات صحية طويلة الأمد (إن وُجدت) قد تنجم عن أخذ هذا النوع من اللقاحات. أما تكنولوجيا الناقلات الفيروسية بالمقابل فهي معروفة ومُجرًبة منذ عشرات السنين وكان قد تم الموافقة عليها واستخدامها بنجاح وأمان في لقاحات سابقة كلقاح فيروس كورونا ميرس ولقاح ضد فيروس الإيبولا القاتل.
- تكنولوجيا لقاحات mRNA تتطلب درجات حرارة منخفضة وترتيبات لوجيستية لا يُستهان بها للشحن والتخزين للحفاظ على سلامة المُنتج. فلقاح فايزر مثلاً يتطلب «فريزرات» خاصة تبقيه على درجة حرارة (-70 مئوية) طوال فترة الشحن وعند التخزين الطويل ولا يصمد أكثر من خمسة أيام في الثلاجة عند إذابته مُركّزاً، وحال تخفيفه للوصول إلى التركيز المطلوب للحقن (كل زجاجة تحتوي كمية كافية لخمس جرعات) يجب حقنه للإنسان في مدة أقصاها ست ساعات. أما شركة موديرنا فقد عدلت على تركيبة mRNA في لقاحها بما يسمح شحنه وتخزينه الطويل في «فريزر» اعتيادي على درجة حرارة (-20 مئوية) ويمكن له أن يصمد لمدة شهر كامل في الثلاجة. أما تكنولوجيا الناقلات الفيروسية للقاح أكسفورد فتمكّن المستخدم من تخزين اللقاح في الثلاجة (درجة حرارة +4 مئوية) لمدة ستة شهور كاملة.
- تكنولوجيا لقاحات mRNA غير قادرة حالياً على إنتاج أعداد من اللقاحات تنافس قدرة تكنولوجيا الناقلات الفيروسية. فبينما تعهدت فايزر وموديرنا بإنتاج 50 و20 مليون جرعة من اللقاح على التوالي في نهاية عام 2020، تعهدت أسترازينيكا-أكسفورد بإنتاج 400 مليون جرعة قبل نهاية العام بما يشكل عشرة أضعاف الطاقة الإنتاجية لفايزر وموديرنا، علماً بأن أسترازينيكا منحت حقوق تصنيع لقاحها لبلدان نامية كالهند وغيرها على أن يتم البيع بسعر التكلفة، الأمر الذي لم تقم به كل من فايزر وموديرنا حتى الآن.
-تكنولوجيا لقاحات mRNA باهظة الثمن مقارنة بتكنولوجيا الناقلات الفيروسية. فينما قدرت فايزر السعر التقريبي لجرعة لقاحها بِ 20 دولاراً أميركياً وموديرنا بِ 32 -37 دولاراً قدرت أسترازينيكا-أكسفورد سعر لقاحها بِ 3-4 دولارات وهذا حوالي خُمس إلى ثُمن سعر لقاح mRNA.
بالتأمل بالجدول المُرفَق والذي يُقارن بين اللقاحات الثلاثة التي يُتوقع أن تصل إلى الأسواق العالمية قريباً، يرى الباحث أن لقاح أكسفورد يتمتع بخصائص متعددة تجعل منه الأنسب للاستيراد إلى الأردن، فلهذا اللقاح أعلى سجل سلامة طويلة الأمد خصوصاً أنه قد تم تجريب واعتماد لقاحات شبيهة به سابقا. هذا بالإضافة إلى سهولة شحنه وتخزينه، الأمر الذي يوفِّر على الدولة تحدٍ لوجيستي ومادي كبير متمثل باقتناء العديد من الفريزات الخاصة (-70 مئوية) باهظة الثمن عدا عن كلفة وعناء العناية بها وصيانتها. ولا يسع الناظر إلى الجدول المُرفق إلا ملاحظة فارق التكلفة الضخم أيضاً بين لقاح أكسفورد ونظيريه، فكلفة تطعيم شخص بجرعتين من لقاح أكسفورد لن تتجاوز 5 دنانير حسب التقديرات بينما تصل كلفة جرعتين من لقاح mRNA بين 28-50 ديناراً أردنياً، الأمر الذي سيوفر على خزينة الدولة وجيب المواطن مبالغ مالية كبيرة هم في أمس الحاجة لها.
يبقى أن نذكر أن هناك شركات أُخرى غير أسترازينيكا تستخدم تكنولوجيا الناقلات الفيروسية (الأدينوفيروس) لإنتاج لقاحات للكورونا المُستجدة كجونسون وجونسون الأميركية وكانسينو الصينية، ويجدر متابعة نتائج تجاربهما السريرية عن كثب حال نشرها في مجلة علمية. إن مثل هذه اللقاحات قد تشكّلُ رافداً أساسياً للأردن في المستقبل القريب تعوّض عن شح لقاحات أُخرى ربما نكون قد عولنا عليها في بادئ الأمر. كما يجب عدم التهاون مع مناهضي التطعيم ممن يقللون من أهمية المطاعيم في صحة المجتمع ومن غير المختصين الذين ينشرون الإشاعات والمغالطات عن علم أو غير علم، في وقت حسّاس ينبغي أن تتضافر به الجهود لإنجاح حملة التطعيم ضد كورونا وغيرها من الأمراض السارية في المملكة.
ختاماً، إذ نُثني على جهود وزارة الصحة ومن يدعمها من خبراء في القطاعين العام والخاص في مواجهة الجائحة، وخصوصاً فيما يتعلق بالتواصل مع الجهات التنظيمية مثل (كوفاكس) لضمان حصول الأردن على أكبر عدد من اللقاحات وفي أقرب وقت ممكن. ونعلم أن كثيراً من الدول لن تملك رفاهية اختيار المطعوم الذي تود استيراده على الأقل في بداية الأمر، ولكنّنا كلنا أمل وثقة بصُنّاع القرار أن يدرسوا الخيارات المُتاحة جيداً وبالتعاون الوثيق مع أهل الاختصاص كي نتمكن من اتخاذ القرارات الأفضل لأُردننا الغالي الذي نُريد ونعشق. ولنتذكر جيداً أن حماية أكبر عدد من الناس في أقل وقت ممكن وبأقل التكاليف وبأعلى درجات الأمان هي الغاية، ولن يَسلَم أحدٌ حتى يَسلَمَ الجميع. حمى الله هذا الوطن العزيز من كل مكروه.
(الرأي)