عمّان بين الزمان والتاريخ
عمر كلاب
08-04-2010 04:11 AM
ثمة جملة معترضة في الحياة خارج عمان لمن اعتادها واعتاد بهاء المدينة الجبلية ، فغضبك من المدينة الذي يدفعك لبحث الراحة خارج دروبها سرعان ما يتحول الى شوق غامض لها ، شوق يعيد ترتيب العلاقة التي بينك وبين المدينة على نحو يصبّ نهاية في صالحها وسرعان ما تتمتم بجملة اعتذار لها.
عمان تبدو في لحظات مدينة قاسية تستمع بأكل عشاقّها ، وتطرب لصوت انينهم ، وعند الهرب منها تكتشف ان الحل بالعودة اليها فلا امان خارج عمان للعماني مهما بلغت درجة الحماية خارجها ، هكذا يقول خيري منصور وهو يسامرنا ليلا في سماء القاهرة.
تفرح لحظات لصخب المدن التي تهرب اليها ، مما تعتقده رتابة في عمان ثم تتفاجأ بأن الصخب يفرز طنينا في الاذن كلها بوسطها وعمقها لا يزول الا لحظة ان يعلن ربّان الطائرة انك دخلت الى اجواء المدينة الجبلية ، يزول الطنين وتطلب ان يسرع في الوصول فهناك سرّ يجب قوله للمعشوقة لا تريد ان تتأحر في البوح به.
للمدن عبقرية خاصة قد تكون مفتعلة احيانا او قد يبالغ البعض من المريدين في عبقريتها لكن ثمة ثقة بوجود العبقرية داخل حصونها ، عمان للان لم تجد من يسبر غور عبقريتها: فما زال الانطباع خارجا عنها بوصفها المدينة النظيفة او الغالية الاسعار ولا ينكر احد جمالها خاصة الجزء الغربي منها ، دون ان يلحق هذه الوصاف سمات تميزها او تشير الى بصمتها الوراثية ، مما دفع كثيرين الى الخروج منها على وعد العودة بعد اثبات الحضور ، كأن الحضور في السياق العربي لا يتحقق من عمان.
ذات مساء وصف احد الشعراء العرب عمان بالمدينة غير الذكية ، لم ننفعل كعادتنا وطلبناه التوضيح فالشاعر يتحدث بوقار عن المدينة ويغالب دمعة عشق جاهد في الامساك بها حتى لا تفضحه وجنتاه ، قال الرجل ان عمان حضنت سنابل عربية كثيرة شعراء بوزن عبدالوهاب البياتي وعازفين مثل نصير شمة ومطربين من طراز كاظم الساهر وكانت كلمة السر في نجاح عشرات المبدعين في الفن والادب لكنها تركتهم لتأخذهم عواصم اخرى طحين ناجز.
قبل اسابيع قليلة كانت زوجة قامة ادبية عمانية الهوى - عبدالرحمن منيف - تبحث في جامعة رسمية عن تحويل مسكنه الى متحف ، ولم تقصر الجامعة لكن المشروع لم يخرج للعلن بعد وثمة خشية ان يرحل متحف من رصد المدينة بعشق طاهر الى عاصمة اخرى تحتضن ابداعاته ونكتفي بالجلوس على اطلال ذكرى بأن الرجل كان هنا كما كثيرين نتحدث عنهم بتاريخية قافزين عن الحاضر.
في قاع المدينة مقر امانتها وهي تتعامل مع عمان كزمان فقط ولا تبحث عن التعامل مع عمان كتاريخ والزمان يمضي والباقي هو التاريخ ، ثمة تزمين للمدينة يقتضي التعامل مع الاني او اللحظي ولا احد في المبنى الضخم يسعى للتعامل مع تاريخ المدينة الذي تصنعه بسماحتها وحبها ويقطف ثماره اخرون وآن لهذه المعادلة ان تنتهي.
Omarkallab@yahoo.com
الدستور