مع تزايد اعداد الوفيات وحرص الناس على القيام بواجب العزاء وتطبيق سياسات التباعد الاجتماعي فما يزال الناس يقومون بواجباتهم وينقلون مشاعرهم، يعبرون عن حزنهم ويتواصلون مع اقاربهم واصدقائهم دون ان يخرقوا اوامر الدفاع او يعرضوا الآخرين للخطر. كل ذلك بفضل التواصل الاجتماعي.
تخيلوا لو اننا استقبلنا الجائحة في زمن لا تتوافر فيه ادوات ووسائل الاتصال التي يملكها كل واحد منا اليوم. وتخيلوا لو قررت حكوماتنا فرض الحظر الشامل ونحن مجردون من هواتفنا النقالة واجهزة الكمبيوتر وبلا شبكات الاتصالات التي تزودنا بالحزم والنقاط وتقطع علينا الخدمة او توقفها متى شاءت.
في غياب هذه الخدمات وهيئة الاتصالات والشبكات والاشتراكات ومحطات التقوية المنتشرة ابراجها فوق اسطح المنازل وعلى كل التلال المطلة على البلدات البعيدة هل يمكن لنا ان نعرف ما نعرفه اليوم عن الفيروس اللعين.
وهل يمكن لنا ان نتتبع اوضاع تعاملنا مع الوباء والوقوف على تطور الاجراءات ونجاحها منذ ان ارسلنا الطائرة الى يوهان في مطلع العام لترحيل طلبتنا الى بلادهم ليكونوا في مأمن من الوباء.
لا اظن ان بإمكاننا ان نعرف ما يدور حولنا بالسرعة والدقة التي نراها اليوم لولا انتشار هذه الوسائل والمهارة الفائقة في توظيفها واستخدامها. بغير هذه الوسائل كنا سننتظر اطلالة الناطق الرسمي للحكومة ليتلو علينا مقتطفات من تقريره اليومي ويخبرنا عن عدد الاختبارات التي اجريت وتوزيع الاصابات على المحافطات واعداد الاشخاص الذين تطلبت اوضاعهم دخول العناية المركزة وارقام الذين لم تمكنهم مناعتهم من الصمود في وجه الفيروس الذي نخر اجسادهم.
بكل تأكيد لن نعرف غير ما يدلي به المسؤولون عن الملف الصحي وقد لا نعرف كل التفاصيل عن طبيعة الفيروس وسبل انتقاله ولا ما يستجد عن طرق انتشار العدوى كما يصعب ان يدقق احدنا فيما يرد على لسان الناطق الرسمي من بيانات ومقارنة اوضاعنا بالبلدان والمجتمعات الاخرى.
حتى اليوم وبالرغم من الخدمات الاستثنائية التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي لنا لا يبدي الناس الكثير من التقدير لهذه النعم بل يسرف البعض في تحميلها مسؤولية الانحدار والتدهور في مستوى العلاقة بين الدولة والناس ويعتبرها البعض اداة تحريضية اسهمت في خلخلة ايمان الجمهور بما يقوله من يتولون ادارة شؤونهم وخدمتهم.
القليل ممن هم في موقع المسؤولية يعترفون لـ”فيسبوك وتويتر وانستجرام وواتس اب” وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي بأنها تقوم بأدوار حيوية ومهمة في تأمين التواصل وربط الافراد وإشعارهم بأنهم ينتمون الى جماعات وتشكيلات وبنى كان يمكن ان تضعف لولا هذه الوسائل.
في زمن التباعد الجسدي اصبحت وسائل التواصل التي اشبعناها نقدا وعتبا ولوما، واعتبرناها مسؤولة عن الكثير من مشكلاتنا الاجتماعية، وتقوم بأدوار مهمة في ادامة صلتنا بكل الاقارب والاصدقاء والمؤسسات والعالم، لا بل انها اشغلت كل الفراغ والفجوة الناجمة عن انقطاع التواصل الوجاهي.
اجهزة الهواتف النقالة وتطبيقاتها المتنوعة اتاحت لكل واحد منا ان يمارس حريته الكاملة في التنقل والتباعد والعزل مع امكانية التواصل والتأثير والتأثر وزودت المستخدم بكافة الرموز والتعابير التي يمكن الاستعانة بها لجعل التواصل مقاربا لما يحصل في التفاعل الطبيعي.
الأردنيون الذين انشغلوا كثيرا بالتزامات التهنئة بالافراح والمشاركة بواجبات العزاء يحرصون على التعبير عن حضورهم الافتراضي لهذه المناسبات من خلال الوسائل والتقنيات المتاحة.
عدد المنشورات التي تنقل اخبار الوفاة وتطلب الدعاء للمصابين او تحمل مشاعر العزاء تطغى على كل الموضوعات التي تنشر على صفحات ملايين المشتركين.
للمرة الاولى يدرك الجميع ان لوسائل التواصل الاجتماعي وظيفة ترقى الى مستوى الضرورة التي لا تستقيم الحياة بدونها. فقد اسهم انتشار الجائحة وتبني سياسات التباعد واجراءات الحظر والحجر والعزل في اظهار فعالية هذه التكنولوجيا.
(الغد)