موازنة صعبة ولكنها محكومة بالأمل
د. زيد نوايسة
03-12-2020 12:14 AM
دفعت الحكومة بمشروع قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2021، ضمن الموعد إلى مجلس الأمة كما ورد في الفقرة (1) من المادة 112 من الدستور والتي نصت على ما يلي: «يقدم مشروع قانون الموازنة العامة ومشروع قانون موازنات الوحدات الحكومية إلى مجلس الأمة قبل ابتداء السنة المالية بشهر واحد على الأقل للنظر فيهما وفق أحكام الدستور…».
إقرار الموازنة سيتأخر وهذا نتيجة لتأخر انعقاد البرلمان بسبب جائحة كورونا. ولكن بصدور الإرادة الملكية بدعوته للاجتماع في دورة غير عادية بتاريخ العاشر من الشهر الحالي، بعد انتخاب الرئيس والمكتب الدائم واللجان، يتوقع أن تشرع اللجنة المالية فوراً بدراسة مشروع القانون. ستستمر الحكومة بالصرف حسب الأمر 1/12 وذلك إلى حين صدور الإرادة الملكية بالموافقة على قانون الموازنة العامة بعد إقرارها.
من الواضح أن فريق إعداد الموازنة اتخذ أقصى ما يمكن اتخاذه من احتياطات أثناء صياغة الموازنة من ناحية الإيرادات المتوقعة والنفقات العامة وتقدير العجز آخذاً بعين الاعتبار أننا أمام ظروف غير مستقرة وقابلة للارتداد، مرتبطة بالدرجة الأولى بالتطورات الوبائية التي ما زالت غير مستقرة بالرغم من بارقة الأمل بظهور لقاحات قد تعيد العالم تدريجياً للحياة. ولكن ذلك يحتاج وقتاً لنلمس ملامح التعافي اقتصادياً.
الحكومة الحالية تجنبت الوقوع في المبالغة التي وقعت فيها الحكومة السابقة في موازنة العام 2020 من حيث زيادة توقع الإيرادات العامة وتخفيض بعض النفقات الجارية وإسقاط المتأخرات الحكومية البالغة 129 مليونا التي كان يجب أن تضاف للعجز المتوقع والبالغ مليارا ومائتي وسبعة وأربعين مليون دينار. حينها لم يكن أحد يتوقع أن تحل بنا كارثة كورونا لتزيد الطين بلة.
رغم أن الكل يجمع أننا أمام موازنة هي الأصعب لعدم القدرة على توقع حجم الإيرادات وعدم التيقن بأن العجز سيقف عند حدود مليارين وخمسة وخمسين مليون دينار بعد خصم المنح المتوقعة إلا أن الحكومة وفي رسالة إيجابية منها والتزاماً بحقوق الموظفين رغم حراجة ظروف المالية العامة للدولة رصدت المبالغ المخصصة للزيادات والعلاوات التي أقرت العام الماضي وتوقف صرفها بفعل الجائحة.
هناك مؤشرات مهمة في الموازنة أهمها استمرار دعم القطاع الصحي ورصد مبلغ 165 مليون دينار للتعامل مع أزمة كورونا وزيادة مخصصات المعونة الوطنية بواقع
38 % لتصبح 180 مليون دينار وزيادة الإنفاق الرأسمالي بواقع 24.5 %.
النتائج المؤلمة التي أحدثتها الجائحة ستترك أثراً بليغاً في الموازنة. من شبه المؤكد أن الدين العام سيرتفع وكذلك النفقات الجارية. ولا نعرف إن كانت معدلات النمو ستتحسن أو أن معدلات البطالة ستنخفض. لكن المؤشرات تقول بأنه من المبكر توقع التحسن بالرغم من بعض التفاؤل الذي تأمله الحكومة. والأهم من كل ذلك هل سيقف العجز عند حدود المليارين وخمسة وخمسين مليون دينار؟
الحكومة وضعت الموازنة وهي تقرأ الأولويات الملحة. لذلك تعاملت بواقعية وعملية مع التحدي المركزي الذي يواجه البلاد وهو مكافحة الوباء من خلال رفع القدرات الصحية وبوقت قياسي ولن ينتهي العام الحالي دون أن يلمس الجميع حجم الفرق الإيجابي.
مهام وتحديات كبيرة تواجهها الحكومة. والمهم اليوم العمل سريعاً على خلق مناخات تساهم في التعافي وتحفيز الاقتصاد من خلال إطلاق حزم ومبادرات وتسهيلات للاستثمار وتخفيف معدلات البطالة ونسبة الفقر. هذا يستدعي جهداً استثنائياً بالتأكيد، ولكنه مرتبط قبل كل ذلك بانحسار موجة كورونا عالمياً والتزامنا كمواطنين بالشروط الصحية والتباعد الاجتماعي.
الحكومة وضعت موازنة بأقصى درجات التحوّط المالي، ولكنها محكومة بالأمل أن يكون العام القادم عام انفراج وبائي؛ وسيُبنى على الشيء مقتضاه.
الغد