الراحلة انعام المفتي وكلام في العمق
يوسف عبدالله محمود
30-11-2020 10:43 AM
الراحلة انعام المفتي صاحبة علم غزير، خبيرة في مجال التعليم والتنمية الاجتماعية. رحلت عن دنيانا قبل مدة قصيرة. في كل المناصب التي شغلتها اظهرت تفوقاً وقدرة في معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية والتربوية.
في دراسة لها منشورة ضمن دراسات اخرى تحت عنوان "التنمية الاجتماعية وبناء المستقبل العربي: الاردن نموذجاً" اعتبرت انعام المفتي -رحمها الله- ان الوصول الى الاهداف التنموية المنشودة لن تتم دون "تنمية الانسان". من هنا على الدول ان تبادر الى إكساب مواطنها "المعرفة والخبرة والمهارة التي تتيح له المشاركة الفعالة في مختلف شؤون مجتمعه الحياتية".
(الاصلاح الاقتصادي والتنمية البشرية في الاردن، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ص 141)
وحتى تتم "تنمية الانسان" بنجاح لا بد من ان يواكب ذلك "مناخ سياسي" ويوفر للفرد الحرية التي تمكنه من المشاركة السياسية الفاعلة في شؤون بلده.
تركز انعام المفتي على "الديمقراطية" التي يحول غيابها دون إحراز أي تقدم في التنمية الانسانية. في توصيفها لغاية التنمية تقول ".. غاية التنمية ان تحقق للفرد المساواة والعدالة وفرص الحياة والتقدم لتحقيق ذاته، وبناء مجتمعه في إطار من التكافل الاجتماعي". (المرجع السابق ص 142)
وفي تعليقها على اسباب فشل الحركات العربية في تحقيق التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الوطن العربي تضيف قائلة برؤية نقدية سليمة: "إن السبب في عدم نجاحها يعزى الى تفضيلها التقدم السياسي على التغيير الاجتماعي الايجابي، فعزلت بذلك نفسها عن العنصر الحقيقي الوحيد في التقدم وهو "الانسان". (المرجع السابق ص 149)
توصلت هذه الخبيرة الاجتماعية الرائدة الى هذه النتيجة ايمانا منها بأن "المؤسسات السياسية تقوم على الانسان، والاقتصاد يقوم على الانسان والدولة تقوم على الانسان".
وهنا استذكر مقولة الملك الراحل الحسين بن طلال -رحمه الله- حين قال اكثر من مرة: "الانسان اغلى ما نملك".
وفي نقد صريح لكل القوة العربية التي لم تحسن التعامل مع الانسان العربي تدعو الراحلة الكبيرة انعام المفتي هذه القوى على "تصويب ممارساتها فيما يتعلق بحقوق الانسان والحوار الديمقراطي وبناء المؤسسات القانونية والدستورية التي تحترم حقوق الانسان وضميره وعقله، وأن تمارس الحوار الديمقراطي الموضوعي الذي يقوم على المحبة والاحترام المتبادل". (المرجع السابق ص 150).
ومع الاسف ما زالت هذه الدعوة غير مُفعلة عربياً. "ضمير الانسان العربي وعقله" لا يتم الالتفات اليهما غالباً على مستوى السلطات الحاكمة في أغلب بلداننا العربية. قمع الحريات لا يمكن ان يخدم اية تنمية في اي مجال من المجالات.
واشارت في دراستها الى التحديات الكبيرة التي تواجه "التنمية العربية" وفي مقدمتها "التجزئة التي تعيق بناء المستقبل العربي المشترك إضافة الى الصراعات الداخلية والاحتلال والحروب في المنطقة". (المرجع السابق ص 139)
وفي إشارة الى "الانفاق العسكري" المتصاعد تمنت انعام المفتي على الرسميين العرب ان يقوموا بتخفيضه وتوجيه موازناته او ما يتوفر من موارده بسبب هذا التخفيض صوب "الاستثمار التنموي".
دعت الى "إنهاء النزاعات الحدودية واستتباب الامن داخل القطر الواحد في المنطقة وإزالة الاحتلال" (المرجع السابق ص 140)
وفي إشارة أخرى الى التحديات التي تواجه "التنمية المحلية" من قبل النظام العالمي الجديد ذكرت انعام المفتي "العولمة" وانفتاح اقتصاديات دول العالم العربي كأسواق استهلاكية للسلع والخدمات الواردة من الدول الكبرى والأقوى". (المرجع السابق ص 140).
إن مثل هذا الانفتاح غير المنضبط من شأنه -كما هو حاصل الآن- ان يضطر الدول العربية وبخاصة الفقيرة الى توقيع اتفاقيات دولية قاسية الشروط مع صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات التي تقف وراءها "عولمة" لا تراعي الاهداف الانسانية.
تُرى هل تتناهى هذه النصائح الى المسؤولين العرب؟