تتعالى الاصوات التي تنادي الحكومة بالاضطلاع بدور اكبر في حفز النشاط الاقتصادي وانتشال الاقتصاد من براثن الانكماش الذي الم به بسبب جائحة كورونا.
البعض يدعو الحكومة الى التوسع في الانفاق والبعض الاخر يدعوها الى تخفيض الضرائب وفريق ثالث يدعو الى مزيج من الامرين وذلك لتحفيز الطلب الاجمالي وبث النشاط في عصب الاقتصاد وملأ الفراغ الناشئ عن تقهقر القطاع الخاص.
لكن تلك الاصوات تغفل حقيقة هامة وهي ان هذا التوسع لا بد وان يمول في الدين وان الحكومة لا تتمتع بالحيز المالي الذي يتيح لها التوسع بالاقتراض.
اذ ان المديونية قد تجاوزت حاجز ال ١٠٠٪ من الناتج المحلي الاجمالي وهي مرشحة في ضوء الانكماش الاقتصادي وتراجع الايرادات المحلية الى مزيد من الارتفاع. ومن غير المستبعد ان تتجاوز المديونية حاجز ١١٠٪ مع نهاية العام.
وحتى لو كان هنالك مساحة ضيقة للاقتراض فان الاولوية يجب ان تنصب باتجاه الحفاظ عليها لتعزيز منعة الاقتصاد في وجه ما قد يجد من ظروف في المستقبل.
اما استهلاك هذه المساحة، ان وجدت، فينطوي على مغامرة كبيرة غير محسوبة العواقب لا سيما في ضوء عدم اليقين الذي يعتري المشهد الاقتصادي، وعدم قدرة الحكومة على استدامة التوسع لفترات ممتدة تعزز من فرص نجاحه.
واذا كانت دعوات التوسع تاتي في الوقت الذي تواصل فيه الدول الكبرى دعمها لاقتصاداتها عن طريق حزم تحفيز هي الاكبر تاريخيا وبمباركة من مؤسسات دولية لطالما كانت معارضة لسياسات التوسع ومتحيزة لاعتبارات الاستقرار المالي وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، فهذا لا يعني ابدا باننا قادرين على ان نواكب هذا التوجه العالمي ان نحذو حذو تلك الدول.
فتلك الدول تتمتع بقدر كبير من المرونة المالية وتستطيع استدامة مستويات مرتفعة من الدين. فهي قادرة على الاقتراض متى شاءت وعملاتها المحلية معتد بها عالميا اي انها ليست مضطرة للاقتراض من الخارج. وهي قادرة ايضا على الاقتراض باسعار منافسة ولاجال طويلة. وفوق ذلك كله فهي مدعمة ببنوك مركزية ذات قدرات تكاد تكون لا نهائية.
لو ان هذه الازمة جاءت قبل ١٠ سنوات لتمكنت الحكومة من مواجهتها والتصدي لها، لكن الظروف المعقدة التي مر فيها الاقتصاد خلال العقد الماضي والتي اسفرت عن عجوزات مالية ضخمة وارتفاع كبير في المديونية استنزفت جميع الارصدة والهوامش المالية التي كانت متاحة للحكومة، فلم يعد في حوزتها اية ذخيرة لمواجهة موجات التباطؤ والانكماش الاقتصادي الا ضمن نطاق ضيق جدا.