في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
فيصل تايه
29-11-2020 09:13 AM
على الرغم من إصدار الأمم المتحدة للقرار الشهير رقم (١٨١) قرار التقسيم الذي أعطى للشعب الفلسطيني الحق في إقامة دولته المستقلة بتاريخ ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر عام ١٩٤٧، هذا القرار الذي أجهضته الحركة الصهيونية ، بحيث تم تدمير كيانية الشعب الفلسطيني وتشريده وحرمانه من إقامة دولته المستقلة منذ ذلك العام وحتى يومنا هذا ، فقد دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام ١٩٧٧م ، للاحتفال في ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، وهو ذلك اليوم من عام ١٩٤٧ الذي اعتمدت الجمعية العامة قرار تقسيم فلسطين (١٨١)، حيث قامت إسرائيل ولم تقم الدولة الفلسطينية.
في اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يصادف هذا اليوم ، يقف العالم المحب للسلام والتحرر مع الشعب الفلسطيني ، ومع نضاله العادل من اجل التحرر والاستقلال ، ونيل حقوقه في العودة وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة ، فهذه الذكرى التي تمر بعد مسيرة نضالية طويلة للشعب الفلسطيني ، قدم فيها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى ، وعشرات الاف من المنازل التي هدمت والعائلات التي شردت وعشرات الاف الأشجار التي اقتلعت ، بعد نهر من الدم الأحمر القاني ، وأعمار تذوب وراء القضبان، وبعد أن اشتعلت المنطقة العربية بالحروب والمنازعات ومزقتها الخلافات ، وبعد تمرد إسرائيل على كافة القرارات التي أصدرتها الشرعية الدولية التي هدفت لإنصاف الشعب الفلسطيني ، ومضيها في سياسة تهويد الأراضي وفرض الأمر الواقع ، كل هذا في ظل عجز عربي رسمي لم تعد تغطيه لا ورقة توت ولا حتى تؤخره إبرة صنوبر ، اضافة لعجز غير مبرر من القوى الشعبية العربية المكثرة من المؤتمرات والبيانات دون أي فعل حقيقي يعري الأنظمة العربية ويحشرها في ركن الحقيقة .
وفي هذا اليوم لم تغب القضيه الفلسطينية وحقوق الشعب العربي الفلسطيني عن فكر وذهن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ، فقد التصقت بقلبه ووجدانه ، حيث قام حلالته بتوجيه رسالة إلى رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني شيخ نيانغ ، مؤكدا جلالة الملك ، في الرسالة مركزية القضية الفلسطينية، وأهمية الاستمرار بالسعي نحو تحقيق السلام العادل والشامل، الذي تقبله الشعوب والمرتكز على القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ، معربا جلالته عن دعم جميع الجهود التي من شأنها كسر الجمود في العملية السلمية والدفع باتجاه مفاوضات مباشرة وجادة ، لتحقيق السلام ، على أساس حل الدولتين، ووفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، ووقف الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، التي تقوض فرص السلام وتأجج الصراع ، كالاستيطان ومحاولات ضم أي أراض فلسطينية، وفرض واقع جديد في المسجد الأقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف ، مشيرا جلالته إلى أن عملية السلام تقف اليوم أمام خيارين، فإما السلام العادل الذي يفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وفق حل الدولتين، أو استمرار الصراع الذي تعمقه الانتهاكات المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني والخطوات غير الشرعية التي تقوض كل فرص تحقيق السلام ، مشددا جلالة الملك، بصفته صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، على "أن القدس الشريف ومقدساتها كانت وستبقى محور اهتمامنا ورعايتنا، وستبقى الوصاية واجباً ومسؤولية تاريخية نعتز بحملها منذ أكثر من مئة عام" ، متابعا جلالته إن الأردن سيواصل، بالتنسيق مع الأشقاء في السلطة الوطنية الفلسطينية، وبدعم ومساندة لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، حمل هذه المسؤولية والعمل على تثبيت صمود المقدسيين، والتصدي لأي محاولة لفرض واقع جديد أو تغيير للوضع التاريخي والقانوني القائم في المدينة المقدسة .
لقد لفت جلالة الملك إلى أهمية توفير جميع سبل دعم استدامة عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وفق تكليفها الأممي، حتى الوصول إلى حل عادل وشامل، يعالج جميع قضايا الوضع النهائي، ويحفظ حقوق الفلسطينيين، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار ١٩٤، وبما يضمن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض ، وحذر جلالة الملك ، في هذا الإطار ، من عدم حصول الوكالة على الدعم التي تحتاجه ، وبالأخص في قطاعي الصحة والتعليم، في ظل جائحة كورونا، معولاً جلالته على دور اللجنة للتكاتف مع الأردن والمجتمع الدولي، لتسليط الضوء على هذه القضية الإنسانية، ودعم الجهود الدولية للوكالة، ومنها مؤتمر المانحين، المقرر عقده بداية العام المقبل، تحت رعاية المملكة الأردنية الهاشمية ومملكة السويد ، حيث ثمن جلالة الملك دور اللجنة في حشد الدعم الدولي للحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني الشقيق، وبذل الجهود المتفانية في الدفاع عن هذه الحقوق .
إن يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني هو يوم تعزيز التضامن العربي والدولي مع حقوق الشعب الفلسطيني ، وهو يوم تجسيد الوحدة الوطنية لدى الفصائل الفلسطينية دفاعا عن هذه الحقوق ، وهو يوم تأكيد إخلاص الجماهير العربية والفلسطينية لقيم الحرية والنضال التي ضحى من أجلها الآلاف من الشهداء والجرحى ، والتي زج بسببها عشرات آلاف المعتقلين في السجون الإسرائيلية ، وهو يوم تأكيد صلابة الموقف دفاعا عن هذه الحقوق وإفشالا لكل محاولات تركيعها وهزيمتها ، وهو يوم استمرار الرفض لكل الصفقات المشبوهة لتهويد الحق الفلسطيني واستنكار قاطع لتمرير صفقة القرن التي تنتهك كل القرارات والشرائع لبسط النفوذ الاسرائيلي .
ان رسالة كفاح ونضال الشعب الفلسطيني يجب ان تكون رسالة سلام وحرية ، سلام متوازن يقوم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية ، وضمان الحقوق المشروعة والأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني ، لنرى ضرورة أن يقف المخلصين لقضايا الوطن والشعوب وحقها المشروع في المقاومة والحرية والاستقلال ليوحدوا صفوفهم وجهودهم لمواجهة التحديات والإنتهاكات المتواصلة لشرعة حقوق الإنسان ، والالتزام بالأعراف والمواثيق الدولية، فالشعب الفلسطيني في صراعه مع الكيان الصهيوني الغاصب يمضي في شق الطريق للعرب وللبشرية أجمع لاستشراف المستقبل ، والأمل والتفاؤل للشعوب المضطهدة بغد مشرق وبعالم تسوده علاقات الأخوة والإحترام المتبادل على أساس الاختيار الحر للشعوب في حاضرها ومستقبلها ، بعيدا عن سياسة التدخل والاملاءات الخارجية، والكف عن سياسة التهديد ، ولا نشك بأن النصر هو حليف الشعوب الفخورة بانتمائها للأرض التي خرجت قوافل الشهداء والمناضلين البواسل .
كما ويجب ان ننظر في هذا اليوم بعين المرارة إلى تراجع التأييد الدولي والعربي لحق الشعب العربي الفلسطيني ونضاله ، والى الصمت المخجل للرأي العام العالمي أمام إصرار إسرائيل بحكوماتها المتعاقبة على الضرب بعرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية ، وهي تستند بذلك الى دعم امريكي مطلق وتستغل صمت الرأي العام نفسه ، ففي الوقت الذي يتمسك فيه الفلسطينيون بالقوانين والقرارات الدولية فان إسرائيل تواصل اعتدائها على هذا الشعب ، وتستمر في تجاهل الاتفاقيات التي وقعت عليها أو كانت طرفا فيها على مدى السنوات الماضية، ومن هنا ينبغي الإنتباه إلى أن هذا اليوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني بات يفقد معناه ويفتقر إلى الجدية والفاعلية التي يتوخاها الشعب الفلسطيني الذي ينظر بقلق إلى هذه الحالة على اعتبار أن هذا التضامن لم يعد فاعلا ولا مؤثرا ولا نحتاج إلى تقديم أدلة على مدى تراجع مستوى هذا التضامن، ليظهر بوضوح وقوع المجتمع الدولي في دائرة الضغط من اللوبي الصهيوني في ظل غياب عربي كامل ، ويظهر أن هذا المجتمع يكرر خطاياه وأخطاؤه بحق الشعب الفلسطيني، وتبقى القضايا القانونية الدولية دون استخدام ، وتظل قرارات الشرعية الدولية التي وقعت عليها ذات القوى الدولية حبيسة الأدراج لأسباب واهية تتعلق برؤية البعض بأن استخدامها قد يتعارض مع الجهود المبذولة لجمع الأطراف في عملية السلام المنهارة أصلا .
واخيرا .. هذه دعوة لشعوب العالم وخاصة شعوب أمتنا العربية والإسلامية أن تجعل من هذا اليوم ، يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني مناسبة لتصعيد تحركها الجماهيري من أجل دعم نضال الشعب الفلسطيني وأهدافه العادلة والضغط على عواصم القرار الدولي من أجل دور فاعل للمجتمع الدولي لإرغام إسرائيل على وقف عدوانها والإقرار بالحقوق .
والله والي الصابرين