شخصية عبقرية فذة عز نظيرها وانقطع نسلها وتبددت ملامحها الا من الذكرى والذاكرة لمن يتذكر او يستطلع الماضي العريق ويحدق في أفق الحق ونضارة الماضي وسطوة القوة والشجاعة والاقدام. وقد خلت السنون وانتفضت عباءتها من شبيه قريب أو بعيد في ثنايا ومعتركات المواقف وهبوب رياح اليأس وتضاؤل الهمم وانتكاس العزائم وسط زحام الفساد والانفلات والتخاذل والتراجع ولم يعد هناك بصيص امل في ان يحتذى أحدهم
حذو هذه الشخصية الملتئمة على نفسها وعلى اقرانها من أبناء الوطن الواحد من أقصاه إلى اقصاه لتأخذ من حكمتها وضراوتها في حب الوطن والتفاني من اجله مهما كلف الثمن ومهما بلغت العقبات حين تتجسد الارادة القوية في عقلية صاحبها لتكون اقدامية لا تلتفت خلفها ابدا.
كبر وصفي وكبرت معه الوطنية وعزة النفس وعفتها وروح الآباء وحب الدفاع عن الوطن فانخرط في سلك الجندية مقاتلا من أجل فلسطين مع جيش فوزي القاوقجي وبقي حلمه تحرير فلسطين من براثن الصهيونية العالمية ورفع اوجاع الأمة إلى أن حط به الركب ليكون إعلاميا ويدير الإذاعة الاردنية وسياسا ليكون سفيرا ورجل دولة ليكون رئيسا للوراء لثلاث مرات.
تجسدت وطنية وصفي في مواقف جريئة منها حينما هدد السفير الأمريكي بقطع مادة القمح عن الأردن ليجيبه وصفي نحن قادرون على الاعتماد على أنفسنا وعندها قام بشراء البذار من سوريا ووزعها على المزارعين مجانا وقام بزيارة الارياف بدءا من مدينة معان ليحث المواطنين على زراعة القمح ويستجيب المواطنون ويفيض القمح عن حاجة الأردن ليصدر إلى الدول الاخرى.
كثير من المنجزات الحضارية رافقته إبان مسؤوليته ومنها تأسيس الجامعة الاردنية ومشروع سد الملك طلال ومشروع قناة الغور الشرقية وإقامة الخط الصحراوي واستصلاح الأراضي الزراعيه في الصحراء الاردنية والمبادرة في انشاء شركة الفوسفات وشركة البوتاس والتلفزيون الأردني ومحطة الأقمار الصناعيه وجريدة الرأي وحزب الاتحاد الوطني.
عمد وصفي إلى الإسراع في تلبية احتياجات المواطنين حيث جاءه وفد من مخيم الحسين شاكيا انقطاع المياه فأمر مدير الدفاع المدني ليقود صهريج ماء بنفسه لتشجيع زملائه للعمل على إيصال المياه للمخيم وفي إحدى المرات انقطعت مادة السكر بسبب أمتناع وكيلها عن توزيعها ليتصل به بنفسه وينذره بضرورة إيصال مادة السكر إلى الأسواق وكذا زياراته المتكررة لمناطق المملكة للاطمئنان على أحول الناس وتلبية احتياجاتهم.
ومن مبادراته إلغاء القيود السياسة والامنية بحق بعض الحزيبيين واحراقها واعادة كثير من اللاجئين السياسيين إلى الوطن وتقليدهم مناصب حكوميه.
وحينما بنى بيته في الكمالية وكان بعيدا انذاك عن خطوط الهاتف ويحتاج إلى اعمدة واسلاك فأمر بايصال الهاتف إلى منزله على نفقته الخاصة على الرغم من انه كان يشغل منصب رئيس الوزراء حينذاك.
كان صاحب فكر قومي تحرري وكان يقول ان افضل وسيلة لمقاومة العدو الاسرائيلي هي المقاومة الشعبية وحين انعقاد مؤتمر وزراء الدفاع العرب في القاهرة في الثامن والعشرين من شهر تشرين ثاني عام ١٩٧١ كان يحمل معه ملفا يتضمن تصوره لتحرير فلسطين ولكن رصاصات الغدر قضت عليه.
شكل وصفي حكاية اردنية خالدة بحسن انتمائه لوطنه وحرصه على مصالح الناس وعفته ونظافة يده وعطر سيرته وكان في نظر الاسرائليين الشخصية الاخطر التي تهدد الكيان الاسرائيلي باعتراف إسحاق شامير.
واليوم وبعد ما يقارب خمسين عاما على رحيله تبقى ذكراه ماثلة في خلد الأردنيين الذين يفتقرون إلى شخصية مماثلة تعيد لهم الأمل وتزرع في أنفسهم الطمأنينة.