خطة وصفي التل العسكرية في حرب فلسطين 1948م
د. سليمان البدور
28-11-2020 12:55 PM
في تشرين أول 1947م إلتحق وصفي التل، الكابتن السابق في القوات البريطانية المرابطة في فلسطين، بفريق الجنرال إسماعيل صفوت الذي كان الشخصية الفاعلة وراء الخطط العسكرية التي كانت تعدها الجامعة العربية للتدخل في فلسطين، عند إنسحاب القوات البريطانية منها وانتهاء الإنتداب في 15 أيار 1948م، وفي ذلك الوقت كانت الوكالة اليهودية قد حشدت ما يزيد عن الستين ألف مسلح قبل إعلان دولة إسرائيل المقرر في التاريخ المذكور.
وكما هو معروف فقد إحتلت بريطانيا فلسطين في 19 أيلول 1918م إبان الحرب العالمية الأولى ومُنِحت الإنتداب عليها في 24 تموز 1922م، وقد سبق ذلك كله وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني عام 1917م، المتضمن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
كان الجنرال صفوت، وهو رئيس سابق لأركان الجيش العراقي، هو المرشح الأبرز لمنصب القائد العام لكافة القوات النظامية العربية، المقرر أن تشن هجوماً على فلسطين وتنقذها من سيطرة العصابات الصهيونية، التي نشطت بوحشية دموية قبيل موعد إنتهاء الإنتداب.
ولمّا كان الجنرال صفوت غير مُلِم بكثير من الأمور العسكرية المتعلقة بالحرب الحديثة، فلم يقم بطلب الكميات اللازمة من العتاد والأسلحة المناسبة والبدء بالتدريب والتجهيز الإستخباري واللوجستي، فلجأ بدلاً من ذلك كله إلى «رفع معنويات قواته بوعود الزحف المكلل بالنصر على تل أبيب كبديل سقيم للإستعداد الحقيقي» وفق رواية المؤرخ المعروف آفي شلايم (Avi Shlaim)(1). فلما شاهد الكابتن وصفي هذا الحال، قام بتحذير الجنرال صفوت منبهاً إلى «أن الزحف الموعود على تل أبيب سينقلب إلى هزيمة منكرة إذا ما بقيت القوات في هذا الوضع البائس ، وكتب وجهة نظره هذه في تقرير رسمي قدمه إلى الجنرال صفوت الذي استشاط غضباً لدى قراءته له وطواه قائلاً: إذا اطّلعت الدول العربية على هذا فلن تجازف بإرسال قواتها إلى فلسطين»(2).
ورغم سلوك صفوت هذا الشبيه بسلوك النعامة، فقد تفاجأت اللجنة السياسية المنبثقة عن الجامعة العربية والتي وصلت إلى دمشق آنذاك ، «بخطة عسكرية مفصلة ومعززة بالخرائط جاهزة لغزو فلسطين أعدها الضابط العنيد ذو الرؤية الثاقبة وصفي التل» (3).
وقد تضمَّنت الخطة التي أعدها التل إختراقاً من شمال فلسطين يقوم به الجيشان اللبناني والسوري تتقدمهما وحدة مدرعة من الجيش العراقي كرأس حربة، وينضم إليهما جيش التحرير العربي غير النظامي بقيادة فوزي القاوقجي، ويستهدف هذا الإختراق مباشرة ميناء حيفا، على أن يتم ذلك بالتزامن مع إختراق آخر من الجنوب، تقوم به القوات المصرية صعوداً عبر السهل الساحلي وعلى طول شريط ضيق للإستيلاء على يافا.
هذه العملية كان من شأنها حرمان الدولة الصهيونية الوليدة من المينائين الرئيسين اللذين تعتمد عليهما، أما الجيشان الأردني والعراقي فيقومان في ذات الوقت، متعاضدين، بشق المستوطنات اليهودية من المنتصف مخترقين للسهل الساحلي حتى البحر شمال تل أبيب.
قُدِّرت مدة هذه الحملة بأحد عشر يوماً، ولضمان نجاحها طلب وصفي أن تكون الجيوش العربية جميعها تحت قيادة عسكرية واحدة. ويذكر "شلايم" نقلاً عن المؤرخين البريطاني "كولنز" والفرنسي "لا بيير"، أن هذه الخطة كانت في رأي المراقبين العسكريين، من ذوي الخبرة والتجربة، تتمتع بكل فرص النجاح، حتى في الحالة التي كانت عليها القوات العربية آنذاك (4) و«كان ذلك ما خشيه بن غوريون(5) وسبب له كابوساً» كما يروي شلايم(6).
«غير أن وحدة القوات العربية المطلوبة لم تتحقق، وخطة الشاب الكفوء مدير العمليات الحربية وصفي التل تم إلغاؤها»(7)، وانتهى الغزو المشتت والمضعضع بهزيمة الجيوش العربية جميعها باستثناء الجيش الأردني الذي تمكن من الاحتفاظ بجزء كبير من الأراضي التي خصصت للعرب في فلسطين وفق قرار الأمم المتحدة الصادر في 27 تشرين الثاني 1947م.
د.سليمان علي البدور باحث متخصص في الدراسات التاريخية عميد سابق لكلية الآثار والسياحة في جامعة الحسين بن طلال
المصادر:
(1) Collins, Larry and La Pierre, Dominique, O jerausalem (New York: Pocket Books, 1972), P. 159. Quoted by Avi Shlaim, Collusion Across The Jordan, P. 198 - 199
(2) Ibid.
(3) Avi Shlaim, 1990, Collins & La Pierre, P. 300
(4) Ibid, P. 199 – 200
بن غوريون: أول رئيس حكومة لإسرائيل (5)
(6)Shlaim, Ibid
(7)Ibid, P. 199