مارادونا لحظة فارقة من حسد التاريخ
اكرام الزعبي
27-11-2020 05:40 PM
راقبت بكثافة كل ما عُرض عن ساحر الأرجنتين والرماثنة والعالم كله، مارادونا الذي يضاف اسمه الى قائمة الفريدين من نوعهم ؛ فهناك آينشتاين واحد ، وأم كلثوم واحدة ، ومارادونا واحد قصير بشعر أجعد لافت وعيون صغيرة (وجول) صاروخي عن بُعد سبعة مترات ! المهم أنني انتظرت ساعات ليطرح أي مذيع أو شخص سؤال: لماذا اتجه مارادونا الى المخدرات ؟ ولم يطرحه أحد ، وتَكلّم الجميع كما لو أن المخدرات قدر مفروغ منه!
ما الذي حدث لأعظم لاعب في التاريخ ؟ ولماذا لجأ للمخدرات برغم كل ما يحمل من مسؤولية حبّ الناس، وبرغم تلك الروح "الذكيّة " التي ترفض الفيفا بالفطرة، وكل رأسمالية العالم المُتغطرِس؟ وتدفعه لوشم صورتي ( تشي ) و(فيديل ) الرافضان أيضاُ ؟
من الذي استغلّ النجم المتواضع " الفَقري " مارادونا الذي عرضوا عليه عندما كان يلعب مع نابولي أن ينتقل للعيش بفيلا فارهة على البحر، فرفض واكتفى بشقة متواضعة في عمارة ؟ ولماذا أسرع دييجو بإسعاف بلدة أغرقها الطوفان، واضعاً قوة نجوميته في جمع المال لها، وبالمقابل لم يُسعفه أحد في لحظة فارقة من حسد التاريخ؟
ما الذي حدث لمن يُفترَض أن الشهرة الفائقة قد عوّضته عن ندوب الفقر الذي عاشه في حواري بيونس آيرس؟ ومن يعرف لماذا مشى فتى الجنوب المنتمي أبداً لجذوره، في طريق تغييب العقل؟ ما هو الصوت الداخليّ الذي أراد خفيف الظل أن يُسكته داخل عقله العبقري؟
لم يكن مارادونا بكاريزميته العجيبة من النوع الذي يغترّ بنفسه، فلا لاحق الصحافة ولا الأضواء التي لاحقته بلا كلل، ثم قطعت أخباره مرة واحدة، واستمتعت فقط بالتعريض بزلاته ومشاكله؟ ولأن السكاكين تكثر عندما يقع الجمل، عاش مارادونا لحظات وِحدة قاسية (مستكثراً ) فيها على نفسه الطيّبة وروحه العفويّة أن تٌحصَر في هذه الصورة القبيحة، وبتلك الطريقة السطحية. لقد أيقن راقص التانجو على جلد الكُّرة، بأنه - مع هذه المعايير اللئيمة - قد خرج من ملعب الحياة ذاتها بخروجه من الملاعب الخضراء، فاتجه لإيذاء نفسه بعد أن ضربه اكتئاب حاد لم تنتبه له الجماهير الهادرة.
يدرك النجم إذا اضطر للغياب، حجم انتهازية واستغلال صحبه والمحيطين به، وبأن لا أحد يهتم من أجله " كإنسان " فقط : يخفق ويسمَن ويتوه، إنسان عادي جداً يحق له أن يغوص في ذاته المٌمزّقة ، فيهجم عليه الإكتئاب ويعزله عن عالم النفاق ، ليعيد اكتشاف نفسه وينضج بعيداّ وهو يُطبِّب جرح الإكتشاف المٌتأخّر.
الجميع يريد النجم (مفرخة) إنتاج لا تتوقف، فالسطحيون لا يعرفون أن النجومية والموهبة في أجمل حالاتها هي مُجرّد لمعة قصيرة تشتعل كالألعاب النارية، فتضيء الدنيا ثم تخبو وتترك صاحبها ليتعلَم درسه ويُدرك كم هي هذه الحياة الجميلة: قصيرة وقاسية، ومُخاتِلة.