حديث الضرورة قبل احتفالية مئوية التكوين 2
السفير زياد خازر المجالي
27-11-2020 04:53 PM
حيث دول العالم مترابطة التأثر والتأثير، ومتداخلة المصالح، فلا بد لحديث الضرورة أن يلامس المتغيرات الأهم على الساحة الاقليمية والدولية، ومن الواضح أن أكبر مؤثرين حالياً هما التطورات المرتبطة بوباء الكورونا وآثارة الوخيمة على اقتصاديات الدول كبيرها وصغيرها، وخاصة محدودة الموارد منها كالأردن، ثم الوصول الديمقراطي لحكم واشنطن وبلونه الجديد: بايدن- هاريس.
من الواضح ان الرئيس المنتخب،والمتغيرات الموضوعية، لن تسمح له بالبقاء تحت عباءة اوباما، وبالضرورة عدم انتاج نموذج كلينتون، وسيحاول ان ينتج سريعاً نموذجاً يتيح للديمقراطيين بعد اربع سنوات فرص نجاحٍ أكبر .
وكما انه على الجانب الآخر لم يكن الخط السياسي للرؤساء الجمهوريين متشابهاً الا في الملامح اليسيرة، لذلك فالفوارق الرئيسية في سياسة الولايات المتحدة لم تعد الفوارق بين منهجي الحزبين الرئيسيين وإنما بين الاشخاص الذين يتم انتخابهم من قبل هذين الحزبين ، وهذه وجهة نظر من السهل استخلاصها لمن تابع الانتخابات الامريكية عن كثب منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي.
بمقابل ذلك ، فمن المؤكد أن ماكنة ادارة سياستنا الخارجية وعلى رأسها جلالة الملك المعظم تدرك تماماً طبيعة المتغيرات في السياسة الامريكية، والتي تتطلب منا اعداد انفسنا للتعامل الأفضل والأذكى معها، لخدمة مصالحنا الوطنية قبيل بدء مئويتنا الثانية .
وفِي نفس الوقت، فاننا نأخذ بالاعتبارأنه وبطبيعة الأحوال فإن علينا أن نتذكر دائماً أن المواقف المرتبطة بالحملات الانتخابية، والخطابات الحماسية قبيل اعلان نتائج الانتخابات شيء، والجلوس في المكتب البيضاوي وعلى رأس دولة مؤسسات ، وبدء ممارسة أكبر دور قيادي في العالم شيء آخر.
ومن الواضح أيضاً أن أولويات الادارة الامريكية الجديدة - من متابعة مواقفها القديمة والجديدة - ستتمحور حول: مواجهة وباء الكورونا، والنهوض بالاقتصاد الأمريكي من عثراته، وعلى المستوى الخارجي فإن سلم اولويات واشنطن في منطقتنا ستكون التعامل مع السياسات النفطية وسلم اسعار النفط وطبعاً التأكد من حماية أمن اسرائيل، ومكافحة الارهاب، أما الملف الايراني فمن الواضح ان بايدن- كما ايران أيضاً- يريد ان يضع له خطوط وقواعد تعامل جديد. وهذا يتطلب حواراً امريكياً جديداً مع الحلفاء الأوروبيين إضافة للصين وروسيا، فالملف النووي الايراني بحد ذاته ليس أولوية، ولكن- ووفقاً للتقييم الامريكي - فصلة ايران بالأعمال الحربية بالوكاله ( كما في اليمن وسوريا ولبنان والصومال) وتواجد ميليشيات مرتبطه بها في العراق هذه ستمثل أهمية لصانع القرار الامريكي عند إعادة بحث استراتيجية تواجده العسكري في الخارج.
إن العلاقات التاريخية بين عمان وواشنطن، والعلاقة التي تربط الرئيس المنتخب بالقيادة الاردنية، تمثلان القاعدة التي من المفروض ان يبنى عليها نموذج علاقاتنا مع واشنطن في المرحلة القادمة، لكن الجانب الاهم في تقديري بالاضافة الى محاولة الدفع بالعلاقات الثنائية الى آفاق جديدة تعتمد افكاراً مستجدةً ، ومن خارج الصندوق، هو تحويل التوافق بشأن حل الدولتين على المسار الفلسطيني من مفهومٍ خطابيٍ نظري، الى واقعٍ عمليٍ عنوانه إعادة الانخراط في مفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وفق آلية مثمرة، وقواعد قانونية يتم احترامها من قبل جميع الاطراف. ويحدونا الأمل أن الشقيق الفلسطيني، وبرغم كل الظروف سيعكف على ترتيب شأن بيته الداخلي ، وبحيث لا يكون لدى نتنياهو حجةً للهروب من متطلبات بناء السلام العادل والدائم .
لقد تصادف بدء المئوية الثانية لمملكتنا مع ولادة ادارة أمريكية جديدة، نأمل ان نأخذ دورنا في حثها على التعامل مع حالات اللاحل في محيطنا الاقليمي،، فنحن لسياستنا مصداقية تاريخية متوارثة لها احترام في عواصم العالم، ومنها واشنطن ، وبالاضافة الى الجمود والشلل الذي احدثه اليمين الاسرائيلي في مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني ، فإن حالات الشلل التي واكبت الخريف العربي لم تهدأ الا في مصر وتونس. ونحن نعلم ان العصا السحرية ليست بيد واشنطن وانما بداية بيد الإرادة الوطنية المخلصة لكل طرف في منطقتنا، قبل طلب عون الخارج المؤثر. ولطالما اقتنع العالم ان احلال السلام في منطقة الشرق الأوسط يمثل أحد اهم عناصر الانتصار على ظاهرة الاٍرهاب المتفق انه العدو الرئيسي للحضارة الانسانية.
ولأننا في الاردن احترمنا مصالح اشقاءنا العرب تحت كل الظروف، فيقيني ان بعض الاشقاء ادركوا أخيراً أنه وخلال الإشكاليات السياسية منذ العقد الماضي، فإن نظرية : من ليس معي فهو ضدي ، لا تنطبق على النظام الاردني القومي الهاشمي ، الذي لدية غيرة أصيلة لمصلحة العرب من المحيط الى الخليج. فلا يؤمن بسياسة الأحلاف المتصادمة ، وانما يؤمن بسياسة الإئتلاف والتعاون المثمر بين الاشقاء والأصدقاء.
وانطلاقاً من ذلك، ومع الأخذ بالاعتبار معيقات الوضع الصحي، فإني يحدوني الأمل أن يقوم الاردن، وبدعم بعض الاشقاء، والاصدقاء ، بوضع الخطط الدبلوماسية النشطة للتمهيد لتحقيق اختراقات في حالات التوتر في العلاقات البينية العربية، وشعارنا لمئويتنا الثانية : الاردن يستحق أولاً ان يركب قطار التطور السريع والنهوض الشامل ، وثانياً: فإن معاناة بعض الاشقاء خلال العقد الماضي يجب ان تنتهي وبأسرع وقت ممكن.
ولأنني بطبعي متفاءل، فإنني أتساءل : هل يمكن أن تستضيف عمان عام ٢٠٢١ قمة استثنائيةً لمصالحةٍ عربيةٍ حقيقية.