تجربتي الخاصة مع فيروس كورونا اللعين
فيصل تايه
26-11-2020 05:46 PM
لم اكن اعلم ان فيروس كورونا اللعين سيغزو بدني ويقلق مضجعي دون سابق انذار، فانا من كنت باستمرار "موسوس" واعتني لحظة بلحظة بتوفير ادوات النظافة الشخصية، آخذاً بكل الاحتياطات الوقائية بالاستخدام الأمثل لأدوات التعقيم، والتي باتت جزءا لا يتجزأ من أساسيات حياتي وحياة عائلتي، فاينما ذهبت وحللت كنت أقوم بتعقيم كل الادوات والملابس المستخدمة بشكل روتيني، والحذر من كل شئ اشك بنظافته، اضافة للالتزام بارتداء كمامتي رفيقتي في كل وقت وحين، فبات ذلك يشكل عبئا إضافيا على يومياتي، لأدخل في "وسواس" دوامة تعقيم، لكل ما أتيت به من الخارج والذي سيخضع حتماً للمراقبة، ولأتعامل مع متطلبات المنزل والعائلة على نحو من اليقين للتأكد من شروط السلامة العامة التي وضعتها لنفسي وعائلتي، لكن ولا حول ولا قوة الا بالله، فإذا بي فجأة اصبح أحد مكوّنات العدد المعلن عنه من بين المصابين، بعدما اجريت فحصا منزليا من قبل احد المختبرات الخاصة، بعد شكوكي باعراض ما يشبه الانفلونزا الموسمية وتبين أنّ نتيجة التحليل حول "كوفيد 19" جاءت إيجابية.
للاسف لقد اوقعني هذا الفايروس "الخبيث" ليكون ضيفاً ثقيلاً بدرجة "معتدي" أتى متسللاً دون أن اشعر به أو من اين مصدره او حتى من أين جاءني، فوجدته فجأة في قلب كل شئ في جسدي، مُحتلاً له، لا يأخذني منه بدايةً سوى تأنيب الضمير، بأني ربما جلبته ليتسبب فى إصابة احد من اهل بيتي "لا قدر الله"، فيزداد ألمي النفسي، ليرتع معي وبي ساعيًا لاستكمال سيطرته، بينما سأنهمك في الالتفات الى نفسي، وتناول بعض الأدوية التى لم يتم الاستقرار على فاعليتها، اضافة الى الالتزام بتعليمات وزارة الصحة واستشارة بعض الاطباء الاصدقاء، لكن ستدرك ان هناك لحظات مفصلية في حياتنا لا نستطيع أن نعي بها عندما تأتينا فجأة، فتنزل علينا حالة من السكينة، ويبدو لنا وكأننا نقف وراء سحابة عالية ونتأمل في هذا الكون الفسيح، ونستشرف مستقبلا غامضا.
الى ذلك ستبدأ رحلة إعادة اكتشاف من حولك، وعندما تجد هذا الكم الهائل من المحبين والدعوات والخوف عليك وعلى صحتك وعلى فقدانك، ستدرك أن الخير مازال موجودًا، وأن المحبة والإنسانية مازالت تجري فى عروقنا، وأن قليلًا مما نزرعه من محبة لمن حولنا سيعود علينا فيضانًا منهم وقت الشدة، فانت تدخل في مرحلة تخوفات من مرض حصد اراوح الكثيرين، ولا تدري اي نوع من الاعراض يمكن ان تشعر بها فالأعراض -فكما فهمت- تختلف تلك الأعراض من شخص الى آخر، ففي حين أن بعض المرضى قد يعانون من أعراض شبيهة بأعراض الأنفلونزا العادية، فإن البعض الآخر قد يعاني من أعراض تشبه أعراض الزكام أو مشاكل قد تصل الى الرئة، وقد يعاني آخرون أيضاً من مشاكل في الجهاز الهضمي فقط، وقد تظهر أعراض في المعدة والأمعاء بما في ذلك فقدان الشهية والغثيان والقيء والإسهال وآلام عامة في البطن، فأي نوع من تلك الأعراض ينتظرني؟ "يا رب لطفك".
ساعات قليلة وتعرفت عن قربٍ الى أعراض هذا المرض من خلال تطور حالتي المرضية، فوجدتها أعراضاً لم يعهدها الجسم من قبل فالحرارة الملتهبة والوهن الشديد والآلام العضليّة والصداع الشديد كلّها أعراض صاخبة، وتترافق مع تعرق غريب وذو كثافة كبيرة، لأنّ الفيروس يستهلك نسبة كبيرة من سوائل الجسم، ويبدو أنّ الوسائل الدفاعيّة في الجسم تُصبح في حالة شديدة من الضياع والاضطراب، فجميع الفيروسات تعرفها الأجسام البشرية، وتعرف أسلحتها والأدوات التي تحملها معها داخل الجسم البشري، بينما لهذا الفيروس تركيبة غريبة عجيبة، ولم يسبق للعلم أنْ وجد شبيهاً لها، لذا تصبح الوسائل الدفاعيّة في الجسم في حالة من الهيجان لأنّه جسم غريب لم يسبق لها أنْ رأته من قبل، وأعتقد جازماً بأنّ هذه الوسائل المناعيّة لا تعرف الأدوات المناسبة للقضاء عليه، فترتكس بشدّة غير معهودة وغير مسبوقة اما صراع عنيد مع خطوط الدفاع المختلفة.
بالفعل .. فما يمكن ان تشعر به في الإصابة بكورونا أنك تتحول فجأة إلى "ناقل للوباء" وإنسان غير مرغوب الاقتراب منه، رغمًا عمن حولك وعنك، وأنك رغم الألم الذي يجتاح كل اعضاء جسدك وما يتبعها من مضاعفات تأتي تباعا، على شكل انتكاسات صحية لحالتك، سترى نظرات القلق، بل والفزع على وجوه كل افراد اهل بيتك خوفًا عليك، ومن العدوى التي قد تصيبهم بعدها، وقتها ستعذرهم، فهم يغامرون بحياتهم من أجل الوقوف على طلباتك وخدمتك، فكيف لي ان اطمئن عليهم وان هذا الفيروس اللعين لم يتمكن منهم ايضاً، فما كان لنا الا ان يسّر الله لنا تواصلاً مع فرق التقصي الوبائي وتقرر لهم زيارة منزلية ، لتقوم بآخذ عينات المخالطين من اهل البيت وبحمد لله تعالى تظهر النتيجة مطمئنة لكل افراد العائلة دون استثناء " سلبية " ، وذلك عدم اصابه اي منهم ، لتبدأ رحلة الاهتمام بي والتركيز عليّ ، وانا بهذا الحجر المنزلي والعلاجي ، فالجميع قلقين ومتوترين ومتابعين لتفاصيل حالتي المرضية من خلف الباب يوم بيوم و ساعة بساعة .
كانت لدي قناعة تامة بأمر أعلمه مسبقا : "لا يوجد دواء". أدركت عندها أن المعركة ستكون غير متوازية ، فالعلاجات بالمضادات الحيويّة والزنك وفيتامين "د" و "سي" والمسكنات وخافضات الحرارة وشرب السوائل والعصائر وغير ذلك ، هي مجرد مُلطفات ومساعدات لدعم الجهاز المناعي ، ولا يوجد أيّ علاج لهذا اللعين إطلاقاً ، ومع ذلك امتلكني يقين بأن سلاحي هو إيماني بالله أولا ، وثانيا قدراتي الجسدية ، فإذا بجسمي يظهر طاقة عجيبة كامنة فيه ، كما اكتشفت في زوجتي قوة ارادة رهيبة ، إذ رغم كونها يمكن أن تكون عرضة للعدوى ، إلا أنها أثبتت ثقة كبرى في نفسها ، وانطلقت في إعداد أنواع محفزة ومثيرة من العصائر الطبيعية والاطعمة الصحية النافعة والشوربات ، كما تجندت لتجعل من البيت أكثر نظافة وأمانا وحبا وأملا في الحياة .
تجربة الإصابة "بكورونا" تجعلك شاهدًا على تجديد يقينك بأن كل أمرك بيد الله الواحد الاحد ، وأنك في معيته وحده ، بينما لا تتحسس الدنيا وقتها إلا مع أقرب الأقربين إليك ، وتنظر من حولك وانت تتابع اعداد المصابين والوفيات عبر الفضائيات ووسائل التواصل لتتوجسك الخيفة وينتابك وسواس قهري يطغى على حياتك لدرجة القلق اليومي ، ما يمنعك حتى من النوم ، وقتها ستقول لنفسك - والاعياء يشق بدنك ، ودمك يقترب من التجلط - يا لها من دنيا لا تستحق كل هذا العناء من أجلها ، ويا لها من أزمة نكتشف فيها المخلصين ، ومن لا يقعون منا في منتصف الطريق ، بالرغم من انني كنت حريصاً ألاَّ أصاب بأي اكتئاب أو خوف، لأنني أدركت أن السعادة والتفاؤل ورباطة الجأش جزء كبير من العلاج ، فمن يصابون هم الذين يصطادهم الخوف بالموت بكورونا ، إضافة للريبة من العزل وعزلة الأقربين والقصص التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي بعيداً عن صحتها ، لكني كنت اتمنى في كل لحظة ان يخلص الله عز وجل البشرية من شر هذا الوباء اللعين ، لتعيش فى أمان وسكون ، حيث لم يعلم هؤلاء البشر أنهم أضعف مما يتخيلون ، وأقل مما يظنون ، وأن النجاح في اختبار الصبر على الابتلاء هو نعمة لا يهبها الله إلا لمن أحبهم؟! ولكن بقي الشعور بالقلق يلازمني ، بل شعور بالذنب على نفسي ، فتصيبني نوبة هلع أحاول التكتم عنها والتعامل مع نفسي بمسؤولية ، وفي رأسي تتصارع الأفكار والعديد من السيناريوهات ، وبعضها أقل ما يوصف بالسوداوية.
كنت استسلم للأخبار اليومية المتعلقة بالوباء لأتابع وأشغل نفسي بمؤتمر صحفي هنا وتصريح هناك ، ليبقى فيروس كورونا يحاصرني بأخباره ، فهو من يستحوذ عليّ وعلى تفكيري استخواذاً تاماً ، ومع التزامي العزل الصحي المنزلي ، ومتابعة ما يحدث من تفشي مجتمعي ، بدأ الخوف عندي يأخذ منحى تصاعديا اكثر، فقد عانيت فعلا اضافة الى استمرار الصداع الشديد والحرارة من نوبات هلع لم أعرفها في حياتي ، كنت أشعر بأن الفيروس موجّه لي أنا فقط ، وأن أي فعلٍ أقوم به هو استدعاء للخطر ، فحاولت جاهداً التخلص من هذا الهلع الغريب على شخصيتي أصلا ، لكن الأمر كان يزداد سوءا ، صرت متوجساً على اهل بيتي حتى من الحاجيات التي يجلبونها من السوق ، واوصيهم ان يتجنبوا لقاء أي أحد او يختلطوا باحد ، فصار الآخرون بالنسبة لهم "الوباء" الذي يمكن ان يتسلل لاي فرد منهم ، كما استطاع وتمكن مني ، فأصيبوا بعدوى الحذر من التعامل مع البشر ، وكأن كل واحد من الناس وكأنه "عدوّ مفترض" يحمل الخطر لعائلتي ولاهلي ، فكنت بالفعل أعيش في دائرةٍ من الشك المرعب ، لم أستطع معها فعل أي شيء ، وكأنني أعيش على هامش الأشياء والحياة ، أكثّف تركيزي في شيء واحد ، ان يخلصني الله عز وجل وينجيني من هذا اللعين الذي اخاف ان يتمكن مني اكثر واكثر ، ويقضي عليّ ، خاصة مع تحول صفحات الفيس بوك بالفترة الاخيرة الى بيوت عزاء افتراضية ، فعزلة الخوف من الفيروس جعلت الجميع في البيت أكثر ميلا إلى الوحدة ، الوحدة بمعناها المادي ، لا النفسي فقط ، فلم يعد احد منهم يهتم كثيرا بالخروج من المنزل ، ولم يعد احد منهم يتشوّق لذلك ، لا رغبة لهم برؤية احد من الاقرباء او الاصدقاء ، بل خوف من العدوى ، اما انا فضيت أمارس الروتين اليومي الذي فرضه العزل الصحي على حياتي ، فانا الذي اعرف نفسي جيداً ، المنظم في حياتي ضمن نظام حياتي لم يكسره إلا هذا الحجر المنزلي القصري ، فصار الروتين طقسا أستمتع به وأخشى تغييره ، وأشعر بثقلٍ غريبٍ في جسدي ، يوماً بعد يوم ، اراقب تطور وضعي الصحي أفكر بما ستكون عليه حالي .
لكن وبعد سبعة أيام من تعامل مناعتي مع الفيروس وبمشيئة الشافي المعافي شعرت بتحسن صحي شيئا فشيئا واحسست باختفاء الأعراض واصبحت استعيد نشاطي واستعيد حاسة التذوق وقليل من حاسة الشم أيضا ، واليوم وانا في اليوم ال ١٤ بالضبط اشعر انني استعيد صحتي بالكامل ، حيث اتمنى ان اكون قد تخلصت من الفيروس ، على امل ان يخرج من جسمي تماما .
بقي ان اقول : ان يجب علينا جميعا ان نمتلك الارادة القوية والايمان القاطع بان الله وحدة الشافي المعافي ، ولنبتعد عن الريبة والوساويس والخوف ، فالموت لن يأخذ منا سوى من انتهى اجله ، فقد يمكن لنا ان نفقد بعض أحبائنا ، إذ لا توجد حرب بدون خسائر ولا معركة بدون ضحايا ، لكن في كل الحالات الحياة تنتصرعلى الموت ، والبقاء يسبق ويهيمن على الفناء ، فتلك إرادة الله التي بثها في خلقه ، ليس هذا من باب الدعاية أو الادعاء ، لكن ما تؤكده اليوم الأرقام الواقعية ، إذ وحسب معلوماتي أن أكثر من ٩٨ في المئة من المصابين بهذه المرض استعادوا عافيتهم ، واندمجوا من جديد في محيطهم العائلي والمهني ، وبذلك فإنني اشكر كل من دعا لي بالشفاء وقت الشدة وعلى اثر ما أصابتني ، شاكرا ايضاً لكم كل كلمة وكل حرف كتبتموه من أجلي وجعل ذلك في موازيين حساناتكم ، لأنه كما جاء في معنى الحديث الشريف عن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم : "هناك ملك موكل كلما دعا المسلم لأخيه المسلم يقول الملك ولك مثله" ..
فشكرا لكم من اعماق قلبي ، فربما شفائي اليوم معكم كانت بفضل الله ثم دعوه من دعواتكم الطيبه ، واحمد الله حمدا كثيرا لأنه امدني بالصحه والعافيه والشفاء التام
"واذا مرضت فهو يشفين"
صدق الله العظيم